يترقب الجزائريون منذ بداية السنة الجارية تطبيق البنوك قرار رفع المنحة السياحية التي انتقلت من حوالى 90 يورو إلى 750 يورو لكل مسافر جزائري بالغ، وإلى 300 يورو لكل مسافر جزائري قاصر، وقد أقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هذه الخطوة في مجلس الوزراء، الذي ترأسه في 8 ديسمبر/ كانون الأول، على أن يبدأ العمل بها بداية من يناير/ كانون الثاني 2025.
ولاحظ "العربي الجديد"، خلال جولته على بنوك عدّة في الجزائر العاصمة، أن غموضاً كبيراً يكتنف تطبيق القرار، إذ يكتفي موظفو المصارف، عند سؤالهم عن المنحة السياحية، بالرد بعدم تلقيهم حتى الآن أي تعليمات بشأنها من السلطة المالية الأولى في البلاد، وهي البنك المركزي، وبالتالي لا يمكنهم اتخاذ أي خطوة دون ذلك.
هذه الوضعية أدت إلى امتعاض العديد من المواطنين الجزائريين، إذ أكدوا أنهم علّقوا آمالًا كبيرة على هذا القرار، إذ لطالما انتظروه، بينما توقّع آخرون أن الاستفادة من رفع هذه المنحة لن يكون في الأفق القريب، مستدلين بقولهم إن الحصول على القيمة الحالية من المنحة، رغم "تواضعها"، يستدعي تقديم طلب مسبق للبنك، فما بالك بالقيمة المضاعفة منها.
في هذا الشأن، كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن بنك الجزائر (البنك المركزي للبلاد) يعكف على إعداد تعليمات تنظيمية تتضمن شروط وإجراءات منح البنوك للمنحة السياحية، مشيرة إلى أنها ستُنشر خلال الأيام القليلة المقبلة تحضيراً لبدء العمل بها في البنوك الناشطة في السوق المالية الجزائرية، وتُعد التعليمات هذه بمثابة البوصلة التي تحدّد الأشخاص المعنيين بالاستفادة من المنحة السياحية، تفادياً لأي تجاوزات قد تؤدي إلى استغلال هذه المبالغ من العملة الصعبة في غير وجهتها.
التحضير لتطبيق المنحة السياحية
وفي هذا الشأن، كشف الرئيس المدير العام لشركة تسيير مصالح ومنشآت مطار الجزائر (مطار الجزائر الدولي)، مختار مديوني، عن تجهيز مكاتب تحتوي على جميع المعدات الضرورية وموصولة بالشبكة المعنية، في إشارة إلى ربطها مع البنوك والمؤسسات المالية الضرورية.
وأكد المتحدث، في تصريح صحافي، أن إجراءات تغيير العملة والحصول على قيمة المنحة السياحية الجديدة تأتي بعد القيام بجميع إجراءات السفر وختم جواز السفر قبيل الصعود إلى الطائرة، وذلك للتأكد من مغادرة التراب الجزائري والتوجه فعلياً إلى خارج البلاد.
وفيما قال مديوني إن موعد فتح هذه المكاتب وانطلاق عملها غير معروف حتى الآن، كونه يرجع إلى السلطات المختصة، لا سيّما بنك الجزائر المركزي، أوضح في المقابل أن المطار جُهّز بمكتبين: الأول يتعلق بالرحلات الدولية، والثاني خُصص لرحلات العمرة، إذ إنّ المعتمرين أيضاً معنيون بالاستفادة من منحة لأداء مناسك العمرة في البقاع المقدسة.
ونفس الخطوات تعمل الجهات المختصة على تنفيذها من خلال تجهيز مكاتب لتغيير العملة على مستوى المعابر الحدودية الشرقية للبلاد، بين الجزائر وتونس، بالنظر إلى العدد الكبير من السائحين الجزائريين الذين يفضلون هذا البلد لقضاء عطلة الصيف.
يعتقد الخبير المالي والمصرفي، سليمان ناصر، أن تجسيد هذه الخطوة صعب من الناحية العملية والإجرائية، فالمواطنون الجزائريون يحصلون حالياً على منحة سياحية هزيلة تقدّر بـ95 يورو، وعلى الرغم من ذلك، يُلاحظ استغلال هذه المبالغ من العملة الصعبة لإعادة بيعها، ويجب ضبط ذلك؛ حتى لا يكون هناك سوقان لصرف العملة، مشيراً إلى أنّ السمسرة في هذا المجال أصبحت مغرية أكثر من السابق، فالزيادة في قيمة هذه المنحة من 95 يورو إلى 750 يورو، رغم إيجابياتها، فإنها "تُسيل" أيضاً لعاب "صائدي الفرص" لتحقيق مكاسب أكبر.
أما بالنسبة لتأثير رفع قيمة المنحة السياحية على المنظومة المالية والاقتصادية الجزائرية، فلم يخفِ محدثنا أنه سيكون كبيراً، ذلك أن المبلغ تضاعف مرات عدّة، وتضاف إلى هذه المعادلة تفضيل غالبية المواطنين قضاء عطلتهم الصيفية خارج البلاد، لا سيّما في تونس، نظراً لعدم فرض التأشيرة وإمكانية الانتقال براً عبر السيارة أو القطار مؤخراً، فضلاً عن السفر جواً، ويرى أن ذلك سيكون مرهقاً لاحتياطي الصرف في البلاد، خاصة وأن الجزائر تعتمد على مورد واحد للعملة الصعبة، وهو صادرات المحروقات.
غياب الإحصائيات يُعقّد العملية
من جانبه، قال الخبير المالي، نبيل جمعة، إن مكمن الصعوبة في تطبيق قرار رفع المنحة السياحية يأتي من غياب الإحصائيات والمؤشرات الدقيقة، التي يمكن الاستناد إليها لمعرفة ما تتحمله الخزينة العمومية من النفقات في شكل عملة صعبة مخصصة للعملية، وهو الأمر الذي يتطلب، حسب رأيه، تنسيقاً بين مجموعة من الهيئات والمصالح، لضبط عدد المسافرين سنوياً خارج البلاد.
أما عن التحكم في صرف العملة الصعبة الممنوحة بهذه الطريقة، فقد دعا المتحدث، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة الاستنجاد بالرقمنة، بدلاً من الاستمرار في العمل بالطرق الكلاسيكية، انطلاقاً من أن منح هذه المبالغ "نقداً" يغري المستفيدين منها، وينعش نشاط السوق الموازية، فهي توفر مصدراً جديداً للحصول على العملة.
وعلى الرغم من أنه أشار إلى الشروط الممكن فرضها لتفادي ذلك، مثل التأكد من مغادرة التراب الجزائري، والإقامة مدة معينة في الخارج (قد تحدد مثلاً بسبعة أيام)، فضلًا عن تسليم المنحة مرة واحدة في السنة، إلا أنه أكد أن ذلك لا يغني عن الحلول الرقمية، إذ إن الرقمنة هي السبيل لربط كل الهيئات والمصالح المعنية ببعضها البعض، وغلق المنافذ المحتملة للتجاوزات والاحتيال.
