حصار غزة في رمضان... 9 أيام من إغلاق المعابر تثقل كاهل الفقراء

منذ ١ أسبوع ١٨

 

يشكل شهر رمضان تحدياً للأسر الفقيرة في قطاع غزة في ظل الظروف الاستثنائية التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما تضاعف التأثيرات السلبية الأعباء على تلك الأسر التي تعاني أصلاً من صعوبات اقتصادية.

وتزداد احتياجات الأسر خلال رمضان من الطعام بشكل كبير، سواء من حيث الوجبات التي يتم تحضيرها في الإفطار والسحور، أو من حيث تكلفة المواد الغذائية والخضروات والمستلزمات الخاصة، حيث تشكل هذه الزيادة عبئاً إضافياً يثقل كاهلها، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحرب.
ويتزامن شهر رمضان الذي يتميز بمعان روحانية كبيرة مع تدمير الاحتلال الإسرائيلي مختلف المكونات الاقتصادية، الأمر الذي تسبب بفقدان عشرات آلاف الفلسطينيين لمصادر دخلهم، كما أدى إلى مضاعفة نسب الفقر التي وصلت إلى حد 100% وتخطي نسب البطالة حاجز الـ 80%، وقد بات معظم المواطنين يعتمدون على المساعدات الإنسانية الشحيحة.
وتسببت تلك التداعيات غير المسبوقة في زيادة الصعوبات التي تواجه الفئات الهشة والفقيرة في تدبير احتياجاتها اليومية، إلى جانب التكاليف الإضافية التي يفرضها رمضان، في الوقت الذي تعاني فيه تلك الأسر من عدم كفاية المساعدات وتقطع وصولها أو عدم وصولها أصلاً، وهو أمر بات يشعرهم باليأس والضغط المتواصل.

الدمار وإغلاق المعابر

تترافق الأوضاع الاقتصادية المتردية لدى شريحة واسعة من الغزيين مع الغلاء الشديد في أسعار السلع الأساسية جراء تدمير الاحتلال المصانع والشركات، والاعتماد بشكل أساسي على المساعدات أو البضائع المستوردة، في الوقت الذي يغلق فيه الاحتلال المعابر، ويتحكم في دخول البضائع غير الضرورية، ما تسبب باختلال توازن الأسعار وفقاً لقاعدة العرض والطلب.
ويتسبب تداخل الأعباء الاقتصادية بضغوط هائلة على الأسر الفقيرة ذات "العين البصيرة واليد القصيرة"، والتي فقدت خلال الحرب والنزوح المتكرر مدخراتها واستنزفت موادها، الأمر الذي يبقيهم في حالة من العوز وعدم القدرة على توفير أدنى المتطلبات.

عامل البناء محمد السويسي الذي أنهكه النزوح المتواصل وخسارته مصدر دخله، يقول لـ "العربي الجديد" إنه لم يتمكن من استقبال شهر رمضان كما جرت العادة بتزيين البيت وتجهيز المطبخ بكل ما لذ وطاب، وذلك بفعل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب.
ووفق السويسي فإن شهر رمضان للعام الثاني على التوالي يأتي في ظل ظروف معقدة وصعبة، حيث جاء رمضان الماضي في ظروف خطيرة ورحلة نزوح قاسية، بينما يأتي العام الحالي وقد تزايدت الأعباء المادية والمعيشية من دون وجود مصدر دخل لتغطيتها.
ويوضح أنه بات يعمل أجيراً عند صاحب بسطة لتوفير متطلبات أسرته الأساسية، مضيفاً: "تتزايد المطالب بشكل كبير في رمضان، بينما لا أتمكن من توفيرها لأسرتي وأطفالي، خاصة في ظل المساعدات القليلة وغير المنتظمة".

رمضان الخيام

يعاني الفلسطيني عمار عرفات من أزمات معيشية ومالية مركبة، حيث فقد مصدر دخله، واستنزفت الحرب كل أمواله إلى جانب تدمير بيته واضطراره إلى مواصلة العيش داخل خيمة، فيما يزيد شهر رمضان من ثقل الأعباء الملقاة على كاهله، خاصة في ظل حالة الغلاء الشديد.
ويوضح عرفات لـ "العربي الجديد" أن رمضان يتطلب شراء أشياء خاصة كالمشروبات الرمضانية والحلويات والمواد الغذائية واللحوم غالية الثمن، وهو أمر يزيد من عبء الميزانية، ما يدفعه نحو الاكتفاء بأقل القليل.
وعن تأثير الظروف الحالية على حياته في رمضان، يقول عرفات: "رمضان يذكرنا دائماً بالفرح والعطاء، لكنني في هذه الفترة لا أستطيع توفير حتى أبسط احتياجات العائلة، وهو أمر يسبب لي حزناً وألماً نفسياً كبيراً وشعوراً دائماً بالتقصير".
في الإطار، يلفت الفلسطيني شريف عودة إلى أنه من الصعب إعالة أسرة في ظل الواقع الاقتصادي الصعب وفقدان مصادر الدخل أو تدني الأجور اليومية بما لا يتناسب مع الأسعار المرتفعة، فيما يزيد حلول شهر رمضان من الصعوبة ويضاعف التحديات.
ويبين عودة لـ "العربي الجديد" أنه يضطر إلى المفاضلة بين المتطلبات اليومية وتوفير الأكثر أهمية في ظل عدم قدرته على توفيرها كلها، ويقول: "كنت أتمنى أن أشتري كل ما تشتهيه أسرتي لكن الأوضاع الحالية حرمتني من تحقيق ذلك".
ويوضح عودة أن التحديات الاقتصادية تتزامن مع غياب المساعدات الإنسانية لشريحة كبيرة من الفلسطينيين، على الرغم من الحاجة الماسة لتوفيرها خلال رمضان، لسد جزء من المتطلبات المتزايدة.

ظروف اقتصادية صعبة

تعليقاً على هذا الوضع الصعب، يبين الباحث الفلسطيني في الشأن الاقتصادي رامي الزايغ، أن شهر رمضان للعام الحالي يتزامن مع ظروف اقتصادية صعبة يمر بها الفلسطينيون بعد حرب الإبادة الإسرائيلية ليضاعف من الأعباء الملقاة عليهم بفعل المتطلبات المتزايدة. ويلفت الزايغ في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تترافق مع شهر رمضان تضاعفت خلالها مستويات الفقر والبطالة، ووصلت إلى مرحلة انعدام الأمن الغذائي، بينما تعدد صور الأعباء الملقاة على الفلسطينيين جراء فقدان شريحة واسعة لعملهم ومصادر دخلهم.

ويشير الزايغ إلى مدى الانعكاسات السلبية لواقع الأسر الفلسطينية على القذرة الشرائية وحالة الطلب في الأسواق، وهي عوامل مؤثرة على الاقتصاد الفلسطيني، خاصة في ظل ارتفاع مؤشرات غلاء المعيشة إلى أكثر من 500%.
ويوضح الخبير الاقتصادي تأثير الأوضاع الاقتصادية الصعبة للأسر الفلسطينية على الطقوس العامة للشهر، سواء باختفاء ملامح الزينة والتجهيزات العامة، أو بانعدام القدرة على الالتزام بالعزائم الرمضانية، والغلاء الشديد في أسعار المواد الغذائية وأسعار النقل والمواصلات، وهو أمر يؤثر سلباً على الواقع الاجتماعي.

ويبين الزايغ مدى مساهمة غلاء المعيشة في زيادة المعاناة اليومية للفلسطينيين منذ بداية العدوان، كذلك مع حلول شهر رمضان، والذي تتراكم فيه المتطلبات اليومية لتجهيز وجبتي السحور والإفطار، مرجعاً الغلاء الشديد في الأسعار للاعتماد على الاستيراد بشكل أساسي، واقتصار العملية على شركات محددة والإغلاق المتكرر للمعابر.
وقررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، مساء السبت قبل الماضي، إغلاق المعابر الحدودية ووقف تدفق المساعدات والبضائع إلى القطاع، بزعم رفض حركة حماس تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق والاستجابة لمقترح المبعوث الأميركي للمنطقة ستيف ويتكوف.
ونتيجة للقرار الإسرائيلي، قفزت أسعار السلع والمواد الأساسية في القطاع بشكل فوري، وسط تحذيرات حكومية وأممية من عودة التجويع إلى صفوف السكان إذا ما استمر قرار إغلاق المعبر سارياً.

زيادة في الإنفاق في غزة

بدوره يوضح الخبير الاقتصادي محمد صافي الأعباء الاقتصادية في رمضان على المواطنين في ظل تداعيات العدوان الإسرائيلي، حيث يشكل رمضان تحدياً ضخماً للأسر ذات الدخل المحدود وسط المطالب المتزايدة. ويقول صافي لـ "العربي الجديد" إن الناس بحاجة إلى المزيد من الغذاء والمستلزمات الخاصة، مما يتطلب زيادة في الإنفاق، في ظل ضغط البطالة وارتفاع الأسعار على ميزانية الأسر بشكل كبير، لتجد نفسها أمام خيار صعب بين تغطية احتياجاتها الأساسية وبين التوفير للاحتياجات الرمضانية.

وعن تأثير ارتفاع الأسعار على قدرة الأسر على الصمود يوضح صافي أنه يساهم بشكل مباشر في تدهور القدرة الشرائية للأسر، بفعل الوضع الاقتصادي الضعيف الذي يزيد من صعوبة تأمين الناس احتياجاتها. ويبين صافي أن حلحلة الأزمة تعتمد بشكل أساسي على تعزيز المساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الدولية والمحلية، بالإضافة إلى البدء بالإعمار وخلق فرص عمل من شأنها توفير دخل الأسر الفقيرة، علاوة على وجود برامج مستدامة لدعمها.

قراءة المقال بالكامل