ركز قرار منظمة أوبك الأخير بالعودة إلى زيادة الإنتاج النفطي دون تخفيض، الأضواء على انعكاس الزيادة المتوقعة للمعروض من النفط على الأسعار العالمية، وتأثير ذلك في دول الخليج، سواء من حيث أسعار الوقود المحلية فيها، أو الانعكاس الاقتصادي العام على مواردها، باعتبارها دولاً نفطية بالدرجة الأولى.
وعزز من هذا التركيز اتجاه السياسات البيئية العالمية نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط، ما يشكل تحدياً لقطاع النفط في دول الخليج، حسبما أورد تقرير نشره مركز SHAF للدراسات المستقبلية. ويتطلب ذلك من دول الخليج، على المدى المتوسط، تبنّي استراتيجيات منخفضة الكربون والتكيف مع التحولات الهيكلية في سوق الطاقة العالمي، مما قد يؤثر بفرص العمل في قطاع النفط، بحسب تقرير المركز.
وأشار المركز إلى أن التوجه العالمي نحو تسعير الكربون وفرض لوائح بيئية صارمة من شأنه أن يؤدي إلى تقليل الطلب على النفط والغاز، ما سيدفع دول الخليج إلى تبني استراتيجيات منخفضة الكربون تسعى للتكيف مع التحولات الهيكلية.
تأثر موازنات دول الخليج
وفي هذا الإطار، يشير الخبير النفطي الكويتي، كامل الحرمي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تأثير قرار منظمة أوبك بالعودة إلى زيادة إنتاج النفط دون تخفيض سيؤثر بالدول المنتجة بشكل كبير، ولكن ليس من زاوية أسعار الوقود المحلية، بل من زاوية ارتفاع معدلات التضخم المالي نتيجة التأثر بالتضخم العالمي". "وأي هبوط في سعر النفط من شأنه أن يؤدي إلى ضغوط إضافية على الاقتصادات العالمية بوجه عام، واقتصادات دول الخليج بوجه خاص"، بحسب الحرمي، الذي يضرب الكويت مثالاً في هذا الإطار، "حيث تعد واحدة من أرخص دول العالم في أسعار وقود السيارات، ومع ذلك تعاني من عجز بالموازنة".
وينوه الحرمي بأن "ضخ كميات أكبر من النفط في الأسواق العالمية في الوقت الحالي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض سعر البرميل، مما يؤثر سلباً بإيرادات الدول المنتجة، وعلى رأسها دول الخليج التي حددت أسعاراً مرتفعة في موازناتها العامة". ويلفت الحرمي، في هذا الصدد، إلى أن "الكويت تحتاج إلى سعر 90 دولاراً للبرميل كي تحقق التعادل بموازنتها، بينما تحتاج السعودية إلى 95 دولاراً لتحقيقه، وبالتالي فإن أي انخفاض في سعر البرميل سيؤدي إلى زيادة العجز السنوي في الموازنات الخليجية، مما يضع مزيداً من التحديات الاقتصادية أمام دول مجلس التعاون".
ومن جهة أخرى، يلفت الحرمي إلى أن "الاشتراطات البيئية العالمية تفرض تكاليف إضافية على الدول الصناعية الكبرى مثل أميركا والصين والهند، والتي تتحمل المسؤولية الأكبر في ملف الانبعاثات الكربونية"، مشيراً إلى أن "دول الخليج، على الرغم من كونها مصدرة رئيسية للنفط، فإنها لا تمثل قوة صناعية كبيرة في استخدام النفط، وبالتالي فإن تأثير الاشتراطات البيئية عليها سيكون محدوداً، إن لم يكن منعدماً".
ويخلص الحرمي إلى أن الدول الصناعية هي التي ستتحمل الكلفة الرئيسية للاشتراطات البيئية، بينما سيكون انعكاسها على دول الخليج ضئيلاً نسبياً، فيما ستتأثر اقتصادات دول مجلس التعاون بالهبوط المتوقع لأسعار النفط.
استقرار أسواق النفط
وفي السياق، يشير المحلل النفطي، أحمد حسن كرم، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قرارات أوبك الأخيرة بشأن إنتاج النفط تعد خطوة استراتيجية اتخذتها الدول الأعضاء لموازنة العرض والطلب في السوق النفطية، والسعي نحو تحقيق أسعار عادلة للخام"، لافتاً إلى أن "هذه القرارات تأتي في إطار اعتماد معظم الدول الأعضاء في أوبك بشكل شبه كلي على إيرادات النفط في موازناتها العامة، ما يجعل الحفاظ على استقرار الأسعار أمراً بالغ الأهمية".
لكن تأثير هذه القرارات على أسعار الوقود المحلية في دول الخليج يراه كرم مستبعداً، وبالتالي لن يكون لها تأثير كبير على تكاليف المعيشة للأفراد، خاصة في الدول التي تدعم أسعار الوقود لمواطنيها، مثل الكويت وقطر، ففي هذه الدول تظل أسعار الوقود مدعومة، بغض النظر عن التقلبات في الأسعار العالمية للنفط. وعلى النقيض من ذلك، يلفت كرم إلى أن المواطنين في دول مثل الولايات المتحدة سيشهدون تأثيراً مالياً مباشراً، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود في حال ارتفعت أسعار النفط العالمية.
ومن جانب آخر، ينوه كرم بأن الاشتراطات البيئية العالمية تشهد تزايداً ملحوظاً، حيث تسعى الدول إلى تعزيز جهودها للحفاظ على البيئة، بما في ذلك الدول المنتجة للنفط، ومع ذلك، فإن تأثير هذه السياسات على العمالة في القطاع النفطي بدول الخليج يظل محدوداً، بل قد يكون في مصلحة العمال، من خلال تعزيز إجراءات السلامة والصحة المهنية.
غير أن كرم يلفت إلى زاوية أخرى، تتمثل في تسبب إجراءات كهذه في زيادة تكاليف المشاريع النفطية في حال تطبيقها، ما يتطلب موازنة دقيقة بين الأهداف البيئية والاقتصادية بدول الخليج. ويخلص كرم إلى أن قرارات أوبك الأخيرة تُظهر حرص الدول الأعضاء على تحقيق استقرار في السوق النفطية، مع مراعاة الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية، ومع تزايد الاهتمام بالسياسات البيئية تبرز الحاجة إلى إدارة متوازنة تضمن تحقيق الأهداف الاقتصادية والبيئية معاً، دون إغفال تأثيراتها على العمالة وتكاليف المشاريع في القطاع النفطي.
