رسوم ترامب الجمركية تشعل حرب صلب عالمية

منذ ٣ أيام ١٩

تنذر الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنسبة 25% على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم والتي دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من أمس الأربعاء بنشوب "حرب صلب عالمية"، إذ ستضطر الدول المنتجة الكبرى إلى توجيه فائضها إلى أسواق بديلة ما يخلق مشكلات تتعلق بالمنافسة ويربك الأسواق.

على سبيل المثال، تفرض كوريا الجنوبية وفيتنام رسوماً على الصلب، بينما يشدد الاتحاد الأوروبي تدابير الحماية، وتسعى مصانع في أميركا اللاتينية إلى مزيد من الدعم. وغالباً ما يكون الهدف من هذه التحركات هو الصين، المنتج المهيمن الذي ارتفعت صادراته في العام الماضي إلى مستويات قياسية تقريباً. وتكمن المخاطرة التي تواجه شركات الصلب حول العالم في أن رسوم ترامب قد تؤدي إلى تفاقم فائض المعروض، مما يزيد الضغوط على المنتجين والحكومات في وقت تعاني فيه السوق ضعف الطلب على المعدن بالفعل.

وقال توماس غوتيريز، المحلل في شركة الاستشارات "كالانيش كوموديتيز" لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "إذا وُضعت قيود أمام دخول السوق الأميركية، فإن جزءاً من هذا الصلب سيتجه إلى أسواق أخرى على الأقل في المدى القصير، وستبحث المزيد من المصانع عن أسواق بديلة".

يُعد المعدن حجر الأساس للاقتصاد العالمي، إذ تطمح معظم الدول الكبرى إلى امتلاك صناعة صلب، بينما تركت علاقاته السياسية المتجذرة المجال مفتوحاً أمام موجات من الحمائية منذ القرن التاسع عشر. وفي ما يتعلق بترامب وآخرين، لا يزال المعدن يمثل رمزاً للقوة التصنيعية حتى اليوم.

وتعزز الرسوم الجديدة التي فرضها ترامب، التدابير التجارية التي اتخذها في ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، حيث تلغي إعفاءات كانت ممنوحة للعديد من الدول، وتوسع نطاقها لتشمل فئات جديدة من المنتجات. والنتيجة التي يخشاها منتجو الصلب هي إعادة توجيه فائض المعروض من الصين ودول أخرى إلى أسواق تعاني الضغوطَ بالفعل.

هذا تحديداً ما يقلق صناع الصلب في أوروبا. خلال الفترة الرئاسية الأولى لترمب، مقابل كل ثلاثة أطنان لم تصل إلى الولايات المتحدة، انتهى المطاف بطنين في أوروبا، وفقاً لمنظمة "يوروفر" التي تمثل منتجي الصلب في الاتحاد الأوروبي.

وقال المدير العام للمنظمة، أكسل إيغيرت، للصحافيين في بروكسل، الأسبوع الماضي: "إن 18 مليون طن، التي تستوردها الولايات المتحدة اليوم مع إعفاءات، سيتعين عليها إيجاد سوق بديلة.. فهم يبحثون عن سوق مفتوحة تتمثل في الاتحاد الأوروبي".

يرتكز جانب أساسي من مبررات ترامب لفرض الرسوم الجمركية على الصين إلى أنه يرى أن الصلب الصيني يغرق الأسواق العالمية، مما يدفع الدول الأخرى إلى تصدير المزيد إلى الولايات المتحدة. وأشار إلى البرازيل والمكسيك والأرجنتين بصفتها أطراف مساهمة في هذه الظاهرة. كما ألقى باللوم على دول أخرى لعدم اتخاذها إجراءات كافية لمعالجة تضخم قطاع الصلب الصيني.

يسيطر هذا القطاع على معظم الأسواق العالمية، إذ توسع كثيراً خلال العقدين الأولين من القرن الحالي لدعم التنمية الحضرية وتعزيز القوة الصناعية للصين. لكن في السنوات الخمس الأخيرة، تراجع الطلب جزئياً نتيجة للجائحة وأزمة العقارات في البلاد، إلا أن الإنتاج السنوي ظل ثابتاً فوق مليار طن، مما أدى إلى زيادة الصادرات. وأثار هذا الارتفاع بالفعل موجة من ردات الفعل من الشركاء التجاريين الذين يخشون الآن الحاجة إلى تعزيز الحماية أكثر.

وفرضت فيتنام وكوريا الجنوبية، وهما أكبر مستوردي الصلب الصيني ومن كبار المصدّرين أيضاً، رسوماً على لفائف الصلب المدرفلة على الساخن، وهو منتج شائع الاستخدام يشكل جزءاً كبيراً من التدفقات التجارية العالمية. كما أطلقت تايوان تحقيقاً لمكافحة الإغراق، في حين أوصت الهيئة التجارية في الهند بفرض رسوم واسعة على واردات الصلب، وفقاً لتقرير محلي.

وقال بيتروغ مايسينسي، رئيس رابطة أنابيب المعادن والصلب المشكّل على البارد في تايلندا: "منتجو الصلب في تايلندا سيواجهون تحديات أشد صعوبة.. نمر بالفعل بفترة عصيبة بسبب تدفق منتجات الصلب الصينية، حتى مع اتخاذ الحكومة بعض إجراءات مكافحة الإغراق لحماية المنتجين المحليين". وأضاف: "هناك قلق آخر يتمثل في أن التعريفات المفروضة على منتجات الصلب من دول أخرى قد تدفع هذه الدول، وليس الصين وحدها، إلى تصريف منتجاتها في السوق التايلندية. ولاحظنا بالفعل زيادة واضحة في منتجات الصلب القادمة من فيتنام".

في الوقت ذاته، يراجع الاتحاد الأوروبي ضوابطه على الواردات بعد زيادة التدفقات من وجهات غير معتادة، بالتزامن مع تراجع الطلب في أوروبا. وفقاً لـ"سوق معادن شنغهاي"، وهي جهة بحثية صينية، بلغ إجمالي حجم الصلب الصيني المتأثر بقضايا مكافحة الإغراق أكثر من 30 مليون طن بحلول نهاية فبراير/شباط الماضي، أي ما يزيد عن ربع الصادرات الصينية العام الماضي.

في الأثناء، أعلنت الصين، أمس الأربعاء، أنها ستتخذ "كل التدابير اللازمة" لحماية مصالحها رداً على الرسوم الجمركية الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم. وقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ لدى سؤالها عن الرسوم في مؤتمر صحافي يومي إن "الصين لطالما رأت أن الحمائية لا توفر مخرجاً وأن أي طرف لن يخرج منتصراً في الحروب التجارية وحروب الرسوم الجمركية".

وأضافت أن "إجراءات الولايات المتحدة تنتهك بشكل خطير قواعد منظمة التجارة العالمية وتضر بشكل جدي بمنظومة التجارة متعددة الأطراف المبنية على القواعد ولا تفضي إلى حل المشكلة". وتابعت "ستتخذ الصين أيضاً كل التدابير اللازمة لحماية حقوقها المشروعة ومصالحها".

قراءة المقال بالكامل