رسوم ترامب تقلق العالم: استهداف دول وتكتلات قد يخرب الإمدادات

منذ ٢ شهور ٤٨

 وكأنها حفلة جنون كبرى، يعيش العالم كله على الصدمات المتتالية منذ بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته الثانية الإثنين، أما أكثر القضايا المثيرة للقلق، فهي الرسوم الجمركية التي يلوح ترامب بفرضها على تكتلات ودول كبرى، من كندا والمكسيك، مروراً بالصين وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي.

وبين الإعلانات المتتالية لترامب، وردود أفعال الدول المستهدفة، تعيش الأسواق في ارتباك واسع النطاق، مع تهديد سلسلة الإمدادات بالاضطرابات، ما يرفع الأسعار ويهدد جهود الدول في خفض مستويات التضخم. فبعدما استهدف كندا والمكسيك في اليوم الأول من تولي منصبه، وسع ترامب تهديداته بشأن الرسوم الجمركية لتشمل الصين والاتحاد الأوروبي في اليوم الثاني.

وأخبر ترامب الجمهوريين في مجلس الشيوخ بشكل خاص في غداء يوم الثامن من يناير/ كانون الثاني في الكابيتول هيل أنه مقتنع بأن الرسوم الجمركية يمكن أن تجمع حوالي تريليون دولار من الإيرادات، وفقًا لـ"وول ستريت جورنال".

وقال ترامب خلال فعالية في البيت الأبيض: "نحن نتحدث عن تعريفة جمركية بنسبة 10% على الصين، بناءً على حقيقة أنهم يرسلون الفنتانيل إلى المكسيك وكندا"، محددًا الأول من فبراير/ شباط تاريخا محتملا لفرض الزيادة الجديدة.

وقال ترامب "إن دولا أخرى تستغل هذه القضية بشكل كبير، كما تعلمون، ليس الصين فقط. لدينا عجز قدره 350 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي. إنهم يعاملوننا بشكل سيئ للغاية، لذا فإنهم سيواجهون رسوما جمركية". لكن هذا الرقم لا إجماع حوله، إذ تشير أرقام الاتحاد الأوروبي إلى عجز بقيمة 150 ملياراً.

وتعكس التهديدات هذه، الوعود التي أطلقها ترامب طوال حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض ومنذ فوزه الساحق في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. ولكن الإجراء الفعلي الوحيد الذي تم اتخاذه حتى الآن هو الدعوة إلى مراجعة الممارسات التجارية المقررة بحلول الأول من إبريل/نيسان، وهو ما قد يمنح الصين وغيرها من الدول ما يقرب من عشرة أسابيع لتجنب فرض رسوم جديدة أو الاستجابة لمطالبه، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".

وجددت الحكومة الصينية معارضتها للرسوم الجمركية، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ الأربعاء إنه لا يوجد فائزون في الحرب التجارية، مضيفة أن الصين ستحمي مصالحها الوطنية.

تهديدات ترامب

وفي وقت سابق من الثلاثاء، قال نائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ إن الصين ستوسع وارداتها، مؤكدا أن البلاد لا تسعى إلى تحقيق "فائض تجاري". وذكرت بلومبيرغ نيوز أن أشخاصا مطلعين على مناقشات ترامب حول الصين قالوا إنه مهتم بفتح مفاوضات مع بكين.

واستهدف ترامب الصين بقوة خلال ولايته الأولى بشأن التجارة، مما أدى إلى بدء صدام أعاد تشكيل سلاسل التوريد والاقتصاد العالمي. تحدث ترامب إلى نظيره الصيني شي جين بينغ قبل أيام من تنصيبه الثاني، في مكالمة ناقشا فيها التجارة والفنتانيل وتطبيق الوسائط الاجتماعية تيك توك التابع لشركة بايت دانس المحدودة. وقال ترامب الثلاثاء مدافعا عن نهجه تجاه هذه القضية: "لم نتحدث كثيرا عن الرسوم الجمركية، باستثناء أنه يعرف موقفي".

وقال ترامب "انظروا، لقد فرضت تعريفات جمركية ضخمة على الصين. وقد حصلت من خلالها على مئات المليارات من الدولارات. وحتى توليت منصب الرئيس، لم تدفع الصين ولو عشرة سنتات للولايات المتحدة". في يوم الاثنين، وهو اليوم الأول من ولايته الجديدة، امتنع ترامب عن فرض رسوم جمركية خاصة بالصين، حتى مع قوله إنه ينوي فرض رسوم بنسبة 25% على كندا والمكسيك، وهما جارتان للولايات المتحدة وحليفان مقربان، بحلول الأول من فبراير/شباط. وقد أدى ذلك إلى تعزيز مكاسب الأسهم الآسيوية الثلاثاء.

وانخفضت الأسهم الصينية الأربعاء بعد تعليقات ترامب الأخيرة، حيث اتجه مؤشر CSI 300 القياسي المحلي إلى أول انخفاض له في خمسة أيام، ورغم أن مستوى 10% أقل من الرسوم المحتملة البالغة 60% على المنتجات الصينية والتي طرحها ترامب خلال حملته الانتخابية، فإن المستثمرين يستعدون لمزيد من التقلبات.

وقال شين ياو نغ، مدير الاستثمار في شركة أبردين بي إل سي في سنغافورة لـ "بلومبيرغ": "من هنا، تصبح الأمور أكثر صعوبة . إنها تذكير بأن ترامب سيفعل شيئًا، لأن اليوم الأول ربما أعطى البعض انطباعًا خاطئًا بأنه قد لا يفعل ذلك. كما أن التعريفات الجمركية الأكثر تدريجيًا قد تؤخر أو تقلل من قوة التحفيز الذي تريده السوق".

كما كرر ترامب يوم الثلاثاء تهديده السابق بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك، مؤكدا أن هذا لم يكن محاولة لفرض إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الثلاث، بل كان بسبب السماح للمهاجرين غير الشرعيين والمخدرات بالعبور إلى الولايات المتحدة.

ولكن من غير الواضح ما هي السلطة القانونية التي يمكن لترامب أن يأمر بموجبها بفرض هذه التعريفات. ففي الإجراء التنفيذي الذي أصدره يوم الاثنين، طلب من المسؤولين "تقييم الهجرة غير القانونية وتدفقات الفنتانيل" من كندا والمكسيك والصين وتقديم تقرير بحلول الأول من إبريل/نيسان.

ويهدف التهديد بفرض رسوم جمركية صارمة على السلع القادمة من كندا والمكسيك اعتبارًا من الأسبوع المقبل الضغط على البلدين لبدء إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة القارية، وفقًا لـ "وول ستريت جورنال". وقال مصدران للصحيفة الأربعاء إن اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، التي صيغت خلال فترة ولاية ترامب الأولى بديلا لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، ستخضع للمراجعة القانونية في عام 2026، لكن ترامب يأمل في إعادة التفاوض عليها في وقت أقرب.

الرسوم الجمركية

ويركز ترامب بشكل خاص على استخدام التهديد بالرسوم الجمركية لتغيير قواعد صناعة السيارات بموجب اتفاقية التجارة القارية، مما يجبر مصانع السيارات على الانتقال من كندا والمكسيك إلى الولايات المتحدة، وفقًا لأشخاص مطلعين على تفكيره.

وقد دفع هذا شركات صناعة السيارات الكبرى إلى التسرع في إيجاد طرق لإرضاء ترامب دون "تفجير سلسلة توريد السيارات في أميركا الشمالية" التي تمتد عبر الدول الثلاث، وفقًا لأحد المسؤولين التنفيذيين في صناعة السيارات. والمكسيك وكندا هما أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة وثاني أكبر شريكين تجاريين لها على التوالي، وكلا البلدين يستعدان لاضطرابات اقتصادية كبرى إذا ما أقدم ترامب على تنفيذ خطته.

ترسل المكسيك وكندا نحو 80% من صادراتهما إلى الولايات المتحدة، كما أن صناعات التصنيع والزراعة والسلع الأساسية في البلدين متكاملة بشكل وثيق. ويدرس المسؤولون الكنديون فرض رسوم جمركية انتقامية على منتجات أميركية تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار، مثل بوربون كنتاكي وعصير البرتقال من فلوريدا، في رد فعل محتمل، اعتمادا على ما سيفعله ترامب بالفعل. كما هددت كندا بإضافة ضريبة تصدير على 4 ملايين برميل يوميا من النفط الذي ترسله إلى مصافي التكرير الأميركية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة تكلفة البنزين بالنسبة للعملاء الأميركيين.

وأكد رئيس وزراء كندا المنتهية ولايته جاستن ترودو، وزعيمة مقاطعة ألبرتا الغنية بالنفط دانييل سميث، ثقتهما في قدرة كندا على تجنب الرسوم الجمركية البالغة 25% التي يهدد الرئيس ترامب بفرضها.

وأشار ترودو وسميث إلى أن كندا تعتبر قوة عظمى في مجال الطاقة، وتمتلك النفط والمعادن الحيوية التي تحتاجها الولايات المتحدة لدعم ما وصفه ترامب باقتصاد أميركي مزدهر. لكن رئيس وزراء أونتاريو، دوج فورد، المقاطعة التي تُعد مركز صناعة السيارات والتصنيع في كندا، قال إن حربا تجارية باتت أمرا حتميا.

وقال فورد في مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس: "ترامب أعلن حربا اقتصادية على كندا، وسنستخدم كل الأدوات المتاحة للدفاع عن اقتصادنا". من جانبه، أشار ترودو إلى أن كندا سترد بالمثل إذا لزم الأمر، مذكرًا بتجربتهم السابقة خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، عندما أعادوا التفاوض بنجاح على اتفاقية التجارة الحرة.

قراءة المقال بالكامل