على أحر من الجمر، يعد السوريون الأيام ليأتي أول الشهر سريعاً ويقبضوا زيادة الرواتب الموعودين بها من قبل الادارة الجديدة هذه الزيادة التي اعتبرها الجميع ضرورة ملحة في ظل ارتفاع مستوى المعيشة مع ظهور شعور التخوف من أن يتزامن ارتفاع الرواتب مع ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة التضخم كما كان يحدث سابقاً.
ولم يُعر الخبير الاقتصادي فادي عياش اهتماماً كبيراً لما سيحصل نتيجة زيادة الرواتب والأجور، لأنها أصبحت ضرورية للغاية، لا سيما بعد تحرير الأسعار، وبالتالي يكون من الأفضل التفكير في كيفية تخفيف الأثر التضخمي لهذه الزيادة على اعتبار توفر السيولة الكافية لتغطية هذه الزيادة. كما يجب على المدى المتوسط، برأيه، العمل على زيادة الإنتاج المحلي وتطوير الإنتاجية وتعزيز الصادرات من أجل تحقيق توازن في سعر الصرف، وبالتالي الدفع باتجاه استقرار القوة الشرائية لليرة السورية وتأمين البيئة المناسبة لتشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية تمهيداً للانتقال من التعافي إلى بدء التنمية.
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "زيادة كتلة الرواتب والأجور 400% يمكن أن تؤدي إلى موجة تضخمية من حيث المبدأ، إلا أن حجم الموجة ومستوى التأثير يرتبطان بعوامل متعددة، ففي واقعنا، نجد توفر معروض سلعي كبير لكنه ليس إنتاجاً محلياً، وكذلك تم تحرير الأسعار وتحسن القوة الشرائية لليرة السورية، ما أدى الى ارتفاع أسعار المواد المدعومة، لا سيما الخبز والمحروقات وانخفاض واضح في أغلب السلع الاستهلاكية".
وأشار إلى أن "أحد أسباب هذا الانخفاض هو محدودية الطلب نتيجة قلة السيولة، وبالتالي أصبحت زيادة الرواتب والأجور ضرورة ملحة تفوق المخاوف من الأثر التضخمي المتوقع والذي تساعد الظروف أعلاه على تقييده في المدى المنظور، لكن يمكن أن تتزايد الفجوة التضخمية في حال لم تتم العودة إلى الإنتاج من جديد".
وعن الحلول الممكنة لتخفيف الأثر التضخمي في الاقتصاد السوري، أكد عياش أنه يجب أولاً دراسة أسباب التضخم وتحديدها بمنهجية وعلمية وموضوعية، ثم البحث في سبل معالجتها لإعادة ضبط التضخم ضمن نسب مقبولة لتكون عاملاً مساعداً في التنمية"، متابعاً: "للأسف في اقتصادنا تجمعت وتراكمت كل الأسباب والعوامل التضخمية، ونعاني من كل أنواع التضخم المعروفة حالياً، لكن باختصار شديد من أهم أسباب التضخم الحالي، تلك المحلية، بخاصة تراجع الإنتاج بكل أشكاله، وانحسار الصادرات، ومحدودية الموارد والإيرادات، وقابل ذلك ارتفاع مستمر في التكاليف".
وأوضح عياش أن "حكومات النظام البائد حاولت معالجة هذه الحالة المعقدة، لكنها وقعت في خطأ كبير عندما اختارت معالجة التضخم كأولوية على معالجة الركود، من خلال تقييد كل من السيولة، والاستيراد، والتمويل في محاولتها لضبط سعر الصرف وتثبيته، ما عزز حالة الانكماش في الأسواق، وزيادة معدلات الركود في الإنتاج، وتجاوزها لأكثر من دورة اقتصادية واحدة، وبالتالي تحول الركود إلى كساد وأصبح التضخم جامحاً".
كما لجأت الحكومات السابقة، بحسب عياش، "للاعتماد على التمويل بالعجز، أي زيادة المعروض النقدي من دون تغطية كافية، لتخفيض عجز الموازنة، إضافة إلى رفع أسعار حوامل الطاقة والخدمات والسلع الحكومية، وزيادة الضرائب والرسوم، مع المبالغة في الجباية المجحفة، وذلك في محاولتها لزيادة الإيرادات، وترافق ذلك مع التمادي في تخفيض الإنفاق الاستثماري، وكذلك الجاري ومنه الرواتب والأجور، وهذا ما فاقم حالة التضخم المركب".
