سلاحٌ فلسطينيّ ببوصلة خاطئة

منذ ١ يوم ٢٧

يشكّل فلسطينيو الداخل (في فلسطين المحتلة عام 1948) نحو 21% من السكان، إلا أنهم يمثلون نحو 71% من ضحايا جرائم القتل (داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي). هذا التفشي لجرائم العنف والقتل ليس معزولاً عن السياسات الصهيونية لتهميش الكتلة الفلسطينية الصامدة على أرضها التاريخية بعد 77 عاماً من مذابح التطهير العرقي.

بعد فشل مشروع الأسرلة، وتوسع مشاركة فلسطينيي الداخل في الحالة النضالية الفلسطينية، ومنها يوم الأرض في 1976 وهبّة الأقصى عام 2000 وغيرها من التصدي للمحتل، والربط المتواصل منذ تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي عام 1995 بين قضاياهم في العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة بالحقوق القومية-الوطنية، دأبت الصهيونية، من خلال الأذرع الأمنية ومؤسسات متخصصة، على محاولة تفتيت وعزل مجتمع عرب 48، لإشغاله بقضايا أخرى تحت سقف التمييز العنصري البنيوي. وثمة منهجية صهيونية في تعزيز عالم الجريمة المنظمة، وضحاياها بالآلاف، إذ تحت سقف ترسيخ "يهودية الدولة" كثِّفت بما هي استعمار استيطاني إحلالي، من جهودها لجعل أصحاب الأرض الأصليين وكأنهم طارئون، أو جالية مؤقتة، إلى جانب تقسيماتها الاستشراقية السطحية لمجتمعهم بوصفهم أقليات دينية وإثنية.

خلال العقدين الأخيرين مارست شرطة الاحتلال ومخابراته، من النقب جنوباً إلى شمال الجليل، غض البصر عن حُمّى انتشار السلاح، بحجة سرقته من الجنود ومن أسواق التهريب (وتقدَّر بمئات آلاف القطع)، لا لتكون بوصلته المحتل بل المجتمع العربي، وبنسج علاقات بين العصابات ومخابراته. ذلك من أجل تسيد الممارسات الاستعمارية الكلاسيكية، وتحديداً بإشغال الشعوب المُستعمَرة بشتى أنواع التغييب، لتغيير أولويات مجتمعاتها بعيداً عن التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار. وفي الحالة الصهيونية، تَفرض سياسات الأبرتهايد، مع نهج فاشي مدموج بأساطير دينية، محاولات لإظهار العنف وكأنه حالة أنثروبولوجية عربية، وكعاجزة عن لجمها في الجغرافيا التي تحيلها إلى بؤس.

ما يجري، وفقاً لمؤسسات بحثية وشخصيات فلسطينية، هو إفقار ممنهج للمجتمع الفلسطيني، وتسامح مع نشر السلاح. بعض مجموعات العالم السفلي، التي لا تمثل بطبيعة الحال مجتمعها، تستفيد من الظروف التي يخلقها الاحتلال، لنشر انفلات الاتجار بالسلاح والمخدرات وتبييض الأموال والصيرفة الموازية وفرض إتاوات حماية وابتزاز، إلى جانب ما يسمى جباية الديون في سوق القروض الموازي، وغيره الكثير. ببساطة، خبث سياسات الاحتلال الإسرائيلي يستهدف نشوء صراعات تطاول الجميع، بمن فيهم الأغنياء من أصحاب المصالح التجارية، لفرض استنجاد به. بالطبع إذا لم يواجه هذا الواقع وطنياً فسيبدد جهود التركيز على الحقوق الوطنية الفلسطينية الأعم، فبمثل هذا النأي الرسمي الفلسطيني عن واقع أكثر من مليوني فلسطيني يستفيد الاحتلال الصهيوني.

عنف عالم الجريمة المنظمة برعاية رسمية صهيونية يتخطى احتراب العصابات، حيث يُستَغَل لاستهداف شخصيات ورموز وطنية ودينية بالاغتيال، لإشعال مزيد من الحرائق ولجم محاولات التصدي لمشروع تفتيت وإلهاء المجتمع الفلسطيني. فقد أظهرت استهدافات مخابرات وشرطة الاحتلال لكل نشاط رافض لحرب الإبادة على غزة، وآخرها الاعتقال الإداري بحق المناضل في حركة أبناء البلد رجا إغبارية، مستوى الكذب عن العجز في مكافحة الجريمة. وبوجود وزير أمن قومي فاشي مثل إيتمار بن غفير، وتوزيعه السلاح مجاناً لاستهداف الفلسطينيين، لا شك أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لن تتوقف عن نشر الجريمة ورعايتها.

لعل الحالة الفلسطينية بحاجة لوقف نزيف أوسع متعلق بأدوار وأنماط عمل حركة التحرر الوطني. فقبل متاهة "اتفاق أوسلو 1993" كان الفلسطينيون، وتحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية على الأقل والتيارات الوطنية في الداخل الفلسطيني، قادرين على مواجهة بعض مشاريع صهيونية خبيثة، وإن بحوارات وطنية وعلاقات مباشرة بين جغرافيا الانتشار الفلسطيني. وقف التعاطي مع الشعب الفلسطيني كجزر معزولة عن بعضها، سواء في قضاياها الاجتماعية أو الكفاحية أو الوطنية التحررية عموماً، يعد إحدى بوابات وقف هذا النزيف.

قراءة المقال بالكامل