سورية... البطالة تلاحق عمال المياومة في رمضان

منذ ١ يوم ٢٠

يحمل شهر رمضان في طياته هذا العام عبئاً ثقيلاً على كاهل عمال المياومة في سورية، الذين يعانون بطالة مضاعفة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، حيث تحول الشهر إلى كابوس يزيد من معاناة الأسر، خاصة تلك التي تعتمد على العمل اليومي لتأمين قوت يومها.
في أحد الأحياء الشعبية بدمشق، يستيقظ محمد الحجازي مع أذان الفجر، كعادته كل يوم باحثاً عن رزقه، لكن اليوم مختلف، فهو لا يعرف إن كان سيجد عملاً يؤمن به قوت أسرته المكونة من ستة أفراد، يعمل محمد في البناء، ويعتمد على العمل اليومي لتأمين احتياجات أسرته، ومع حلول شهر رمضان، انخفضت فرص العمل كثيراً، حيث تقلصت المشاريع الإنشائية بسبب ارتفاع تكاليف المواد وتردي الأوضاع الاقتصادية.

يقول الحجازي لـ"العربي الجديد": في السنوات الماضية، كنا نجد عملاً في رمضان، خاصة في تحضير الموائد الرمضانية أو في أعمال البناء، لكن هذا العام، الوضع مختلف تماماً، لا أحد يطلب عمالاً، ولم أشهد مثل هذا الركود من قبل، والأجور التي نطلبها لا تكفي حتى لشراء الطعام الأساسي والجميع يعاني ضيق الحال، ولم أجد إلا عملاً واحداً خلال الأسبوع".

ويضيف: "نحن نعيش في أوقات صعبة، لكننا نؤمن بأن الله لن يتركنا، نأمل أن تتحسن الأوضاع وأن نجد عملاً دائماً يوفر لنا حياة كريمة. حتى ذلك الحين سنستمر في الكفاح من أجل أطفالنا".

تراجع النشاط الاقتصادي في سورية

بحسب مراقبين، تزداد الأوضاع الاقتصادية في سورية سوءاً يوماً بعد يوم، حيث يعاني البلد ارتفاع معدلات التضخم وتراجع العملة المحلية، ووفقاً لتقارير اقتصادية، فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، صحيح أن العملة تحسنت بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن هذا الوضع العام أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي، ومن ثم انخفاض فرص العمل، خاصة للعمال اليوميين.

علي عبد الرحمن (بائع خضار في مدينة حماة) يقول: "في رمضان، كنا نعتمد على زيادة المبيعات بسبب الإقبال على شراء الخضار لصناعة الفتوش الرمضاني والتبولة وشتى المأكولات، لكن هذا العام لا يملك الناس المال لشراء حتى المواد الأساسية، أنا أعمل طوال اليوم، لكنني لا أكاد أجني ما يكفي لشراء الخبز".
لم تؤثر البطالة في شهر رمضان المبارك فقط على الجانب المادي، بل تترك أثراً عميقاً على الصحة النفسية لعمال المياومة، فغسان حاج يحيى المعيل الوحيد لأسرته، يشعر بالعجز عندما يعود إلى المنزل من دون أن يحمل معه ما يكفي من الطعام.
يقول: "أشعر بالذنب عندما أرى أطفالي ينظرون إليّ بانتظار أن أحضر لهم ما يسد جوعهم، في رمضان، يفترض أن نكون في حالة من الرضا والطمأنينة، لكنني أشعر بالقلق الدائم، كيف سأوفر لهم الإفطار، وكيف سأشرح لهم أنني لم أجد عملاً اليوم؟".
ويتابع "ابني البكر عمره عشر سنوات، وهو يفهم أننا نعاني. في بعض الأحيان، يأتي إلي ويقول: "بابا، لست جائعاً، يمكنك أن تعطي طعامي لأخي الصغير. كلمات مثل هذه تكسر قلبي".
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في 20 فبراير/ شباط الماضي، إن تسعة من كل عشرة أشخاص في سورية يعيشون في فقر، وإن واحداً من كل أربعة عاطل عن العمل، ولكن اقتصاد البلاد يمكن أن يستعيد مستواه قبل الصراع في غضون عقد من الزمان في ظل نمو قوي.

وحذر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أنه وفقا لمعدلات النمو الحالية، لن يستعيد الاقتصاد السوري مستواه قبل الصراع من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2080، موضحا أنه لابد أن يرتفع النمو الاقتصادي السنوي ستة أضعاف لتقصير فترة التعافي إلى عشر سنوات، وسوف تكون هناك حاجة إلى ارتفاع طموح بمقدار عشرة أضعاف على مدى 15 عاما لإعادة الاقتصاد إلى ما كان ينبغي أن يصبح عليه لولا الصراع.

كثيرون فقدوا مصادر رزقهم

هذا الشعور بالعجز لا يقتصر على حاج يحيى فقط، بل يتشاركه معه الكثيرون ممن فقدوا مصدر رزقهم، حيث تتكرر هذه المشاهد مع العديد من الأسر السورية، حين يحاول الأطفال التكيف مع الواقع القاسي، لكنهم يدفعون ثمناً نفسياً كبيراً.
لم تنج النساء المعيلات لأسرهن ممن يعملن في المياومة من تلك التحديات، إذ يواجهن تحديات مضاعفة، فبالإضافة إلى مسؤولياتهن المنزلية ورعاية الأطفال، عليهن البحث عن عمل في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

تقول فاطمة المحمود، وهي نازحة وأم لثلاثة أطفال: "أعمل في الزراعة منذ سنوات، لكن هذا العام الوضع مختلف، الناس لم تعد تستطيع دفع أجورنا، وأنا أعيل أسرتي بمفردي بعد وفاة زوجي، كل يوم أخرج لأبحث عن عمل، وأعود منهكة من دون أن أحقق شيئاً".

ورغم كل هذه الصعوبات، يبقى الأمل حاضراً في قلب فاطمة التي ترى بعض مبادرات التضامن والتكافل التي تعيد إليها الأمل، حين يتشارك بعض الجيران الطعام، وتوزع الجمعيات الخيرية طروداً غذائية، إضافة إلى وجود مبادرات فردية لتوفير وجبات إفطار للعائلات المحتاجة.

تقول سمر طعمة (متطوعة في إحدى الجمعيات الخيرية): "نحاول تقديم المساعدة قدر المستطاع، لكن الحاجة أكبر من إمكانياتنا، نرى يومياً عائلات تعاني الجوع والعوز، ونحاول أن نقدم لهم ما نستطيع، لكننا نعرف أن هذا لا يكفي".

وأضافت: "رغم أننا لا نستطيع مساعدة الجميع، لكننا نحاول أن نقدم شيئاً ما ولو بسيطاً، وعندما نرى ابتسامة على وجه طفل بعد أن نقدم له وجبة إفطار، نشعر أن الجهود تستحق العناء".

قراءة المقال بالكامل