صحافيو السودان يناشدون العالم: أنقذوا عيونكم داخل البلاد

منذ ٢ أسابيع ١٨

وجه صحافيون سودانيون، بمبادرة من منظمة مراسلون بلا حدود، نداء إلى مؤتمر لندن الدولي حول الأزمة الإنسانية في السودان الذي عقد أمس الثلاثاء، استنكروا فيه الاهتمام الإعلامي والسياسي المحدود بالحرب في بلادهم، وأكدوا على الدور الحيوي للصحافيين، ودعوا إلى اتخاذ تدابير ملموسة لحمايتهم، وكتبوا: "منذ عامين، تواجه كاميراتنا وميكروفوناتنا وأقلامنا التهديد والمضايقة والعرقلة، ما منعنا من إسماع صوت ضحايا الحرب والتعبير عن آرائهم، أو التحدث عن المجاعة التي تؤثر على الملايين، وكثير منهم محاصرون تحت القصف الجوي شمال دارفور. تغرق البلاد في غياهب النسيان، وتفتقد الاهتمام السياسي الدولي الذي يحتاجه سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة بشدة"، وشددوا على مطالبتهم بـ"حشد دولي لدعم الصحافيين الذين ينقلون الأخبار من داخل البلاد - مخاطرين بحياتهم - سواء على خطوط المواجهة أو في المنفى القسري".

هذا النداء الذي أطلقه الصحافيون تزامن مع دخول الحرب في السودان أمس الثلاثاء عامها الثالث، بعدما خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص، متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق. واتهم النداء طرفي الحرب (الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو)، باستهداف المدنيين عمداً ونهب المنازل وعرقلة وصول المساعدات المنقذة للحياة. ويتفاقم الجوع مع إعلان المجاعة العام الماضي في خمس مناطق في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك ثلاثة مخيمات رئيسية للنازحين في دارفور وأجزاء من الجنوب. ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش ثمانية ملايين شخص حالياً على شفا مجاعة شاملة، بينما يواجه قرابة 25 مليون شخص، أي نحو نصف السكان، جوعاً حاداً.

وبناء على هذه الأرقام التي تعكس حجم الكارثة، طالب منتدى الإعلام السوداني، أمس الثلاثاء، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والاعتراف الرسمي بالشح الحاد في الغذاء والدواء في البلاد، ودعوة دول العالم لتقديم العون الإنساني العاجل. وطلب منتدى الإعلام السوداني، في البيان نفسه، من المجتمع الدولي تفعيل قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في مارس/ آذار 2024 الداعي لوقف الحرب فوراً، وإلزام الطرفين بتنفيذه من دون إبطاء، وتشكيل آليات فاعلة لمراقبته، والضغط الجاد على الطرفين للسماح بدخول الإغاثة والمعونات من دون شروط لوقف المجاعة والكارثة الإنسانية، وتسهيل وصول الإمدادات الضرورية للمتضررين دون قيود. كما طالب المنتدى، وهو تحالف لمنظمات ومؤسسات صحافية وإعلامية سودانية مستقلة، طرفي الحرب بضمان سلامة وحرية الصحافيين والصحافيات وجميع العاملين في مجال الإعلام، وتمكينهم من العمل والتنقل والوصول إلى كافة المناطق بحرية وأمان، بمعداتهم، من دون أي مضايقات أو رقابة أو تدخل، لأداء واجبهم المهني في التغطية المستقلة ونقل الحقائق للجمهور في السودان والعالم، وشدد على ضرورة الوقف الفوري لكافة أشكال الاعتداءات على الصحافيين ووسائل الإعلام، واعتبار مقار ومنصات الإعلام (إذاعة، تلفزيون، صحف، مواقع إلكترونية)، ومعداتها، منشآت مدنية تتمتع بالحماية الكاملة بموجب القانون الدولي الإنساني ويُجرّم استهدافها أو احتلالها أو مصادرة معداتها من أي طرف، كما طالب بالسماح للصحافة الأجنبية والمراسلين الدوليين بالدخول والعمل بحرية والوصول لجميع المناطق من دون قيود، وتسهيل إجراءاتهم.

وفي الإطار الصحافي، دعا المنتدى الصحافيين والمؤسسات الصحافية والإعلامية السودانية إلى "التمسك بقوة وثبات بقواعد وقيم الصحافة المهنية المستقلة، لمكافحة انتشار الشائعات والتضليل الإعلامي، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والالتزام الصارم بالمعايير المهنية والتحقق الدقيق من المعلومات قبل نشرها". ونبّه المنتدى من أن "التغييب الذي حدث للصحافة السودانية الوطنية المهنية أفسح المجال لإعلام متحيز ودعائي، وآخر ذي أجندات خارجية، لملء الفراغ بتغطيات مضللة لا تعكس الواقع بصدق".

الصحافيون في السودان لم يسلموا من هذه الحرب؛ وفقاً لإحصاءات نقابة الصحافيين السودانيين، قتل 29 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي منذ اندلاع الحرب، آخرهم مدير قطاع الإذاعة في الهيئة الولائية في ولاية شمال دارفور أحمد محمد صالح سيدنا، الذي قتل إثر القصف العشوائي على مدينة الفاشر في 14 إبريل/ نيسان الحالي، لينضم إلى عصام حسن مرجان (الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني)، وحليمة إدريس سليم (قناة سودان بُكرة المستقلة)، وأحمد يوسف عربي (قناة النيل الأزرق)، وخالد بلال (صحافي شغل منصب مدير الإعلام في المجلس الأعلى السوداني للإعلام والثقافة)، والصحافي الاستقصائي معاوية عبد الرازق (المتعاون مع الصحف الإلكترونية السودانية الجريدة وآخر لحظة والأخبار)، والمصور التلفزيوني حاتم مأمون (المتعاون مع قناة سودانية 24)، والصحافي سامي عبد الحافظ (الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني)، وآخرين.

خلال الفترة نفسها، وثقت "مراسلون بلا حدود" احتجاز 17 فاعلاً إعلامياً، لا يزال اثنان منهم قابعَين خلف القضبان، هما الصحافي في النسخة العربية من موقع ذي إندبندنت الإخباري البريطاني حسن حامد، الذي اعتقلته القوات الحكومية في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بينما كان بصدد تغطية إعلامية في بورتسودان، معقل الجيش النظامي على البحر الأحمر، والمعاون الإعلامي مأمون حسن حميد، الذي اعتقلته قوات الدعم السريع في يناير/ كانون الثاني 2024، ثم احتجزته في مكان مجهول. أما صحافي وكالة الأنباء السودانية عبد الرحمن وراب، فلا يزال في عداد المفقودين، وتُرجِّح بعض الروايات أن يكون مقاتلو قوات الدعم السريع قد اختطفوه من منزله في الخرطوم في يونيو/ حزيران 2023.

وفي السياق نفسه، أُصيب أربعة فاعلين إعلاميين على الأقل أو استُهدفوا بسبب طبيعة عملهم، وهم المصور الصحافي محمد نور الدين، ومراسل الهيئة العامة السودانية للبث الإذاعي والتلفزيوني وليد شهلابي، والكاتب عصمت إبراهيم، والصحافية المستقلة عائشة السماني. أما صحافي موقع التغيير السوداني فتح الرحمن حمودة، فهُدِّد بالقتل في أغسطس/ آب 2023، حين وجَّه مقاتلون من القوات المسلحة أسلحتهم باتجاهه من مسافة قريبة في مدينة الأُبَيِّض. وفي تصرح لمنظمة مراسلون بلا حدود، قالت فاطمة علي سعيد (صحافية جريدة الوفاق المؤيدة للتيار الإسلامي)، إنها تعرضت لاعتداء جسدي وتحرش جنسي من عناصر تابعين لقوات الدعم السريع، وأشارت إلى أن الانتهاكات التي طاولتها كانت ذات صلة بطبيعة عملها.

ووفقاً للمعلومات التي توصلت إليها "مراسلون بلا حدود"، وقع أيضاً نحو 15 من الفاعلين الإعلاميين ضحايا لحملات تنمر إلكتروني بسبب طبيعة عملهم، بينما أكد العديد من الصحافيين الدوليين الموفدين إلى السودان تعرضهم للتجسس باستمرار خلال تنقلهم داخل البلاد.

ووفقاً لنقابة الصحافيين السودانيين، فإن 90% من أهل المهنة فقدوا عملهم. ومنذ بدء الحرب في السودان أصبحت وسائل الإعلام السودانية في المنفى لا تقل عن العشرة، بينما فرّ ما لا يقل عن 431 صحافياً إلى البلدان المجاورة للسودان، فلجأ 300 صحافي إلى مصر، مقابل استقرار 71 صحافياً في أوغندا، و23 صحافياً في كينيا، و22 صحافياً في ليبيا، و15 صحافياً في تشاد، وفقاً للمعلومات التي توصلت إليها منظمة مراسلون بلا حدود. وبينما تستضيف مصر أكبر عدد من الصحافيين السودانيين اللاجئين ووسائل الإعلام السودانية العاملة من المنفى، تُعتبر أيضاً البلد الأخطر على الراغبين في ممارسة مهنة الإعلام. وفي هذا الصدد، أُجبرت قناة سودانية 24 على وقف بثها من القاهرة في مايو/أيار 2023. وعلى الرغم من أن المحطة الفضائية استأنفت نشاطها في وقت لاحق، علق برنامج النقاش السياسي "دائرة الحدث" بشكل دائم في ديسمبر/كانون الأول 2024. وفي تصريح لمنظمة مراسلون بلا حدود، قال أحد صحافيي القناة مفضلاً عدم الإفصاح عن هويته: "استُهدف طاقم سودانية 24 بمختلف أساليب الترهيب التي تتراوح بين الترحيل من البلاد إلى التهديدات بالقتل وحملات التشهير، وطاول ذلك مذيع البرنامج الذي تعرض لضغوط شديدة من أجل إصدار بيان يدعم فيه الجيش السوداني". وفي سبتمبر/أيلول 2023، داهمت أجهزة الأمن المصرية مكتب قناة سودان بُكرة المستقلة، حيث احتجزت فريق العمل وأحد ضيوف المحطة، قبل إطلاق سراحهم في وقت لاحق من دون توجيه أي تهمة إليهم، لكن أفراد الطاقم أُبلغوا بقرار ترحيلهم إلى السودان بعد ذلك بشهرين.

وأطلقت نقابة الصحافيين السودانيين، في الذكرى الثانية للحرب، نداء عاجلاً من أجل "الوقف الفوري لإطلاق النار، والعودة للحوار والتفاوض، وضرورة البحث عن الحلول عبر الطُرق السلميّة". وناشدت النقابة قوات الدعم السريع "فك الحصار عن المواطنين في مدينة الفاشر المحاصرة، وعدم استخدام أسلحة لاإنسانية مثل التجويع، والتهديد، وحصار المواطنين والمدن، والترهيب، والقصف العشوائي"، وحثت كل السودانيين على "ضرورة إعلاء صوت الحكمةِ، وعدم الالتفات لكل الأصوات الداعية للتفرقة وإشاعة روح الانتقام بين أبناء الوطن الواحد، وقبل ذلك كله الوقف الفوري للحرب".

قراءة المقال بالكامل