تطورت أشكال الاحتجاج على حبس أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، ليل أمس الاثنين، لتدخل خانة الاعتداء على الحريات والمعتقد الديني، كما يقول أتراك، بعد دخول المتظاهرين جامع شاه زاده باشي في منطقة الفاتح بإسطنبول، وإلحاق الأذى والضرر بالمسجد، ورمي القمامة، وشرب الكحول، بحسب مصادر إعلامية، ما أثار موجة من الغضب بين المصلين الذين احتشدوا في ساحة المسجد بعد صلاة التراويح، ورددوا شعارات منددة بالاعتداءات، مؤكدين أن وجودهم "لحماية المسجد وليس لإثارة الفوضى".
ويؤكد جيزمي ألتون، من جادة درامان في حي الفاتح بإسطنبول، لـ"العربي الجديد"، أنّ بعض المحتجين ليل أمس، شربوا البيرة في ساحة المسجد، وبعضهم تبوّل على بعض القبور، وكسر شواهد بعضها، بل واستهزأ بالمصلين. ويضيف ألتون (46 سنة)، الذي عايش أمس تحركات المعارضة المناصرة لإمام أوغلو، أن التظاهرات غير مرخصة، ولولا الوجود الأمني الكثيف لتم الاصطدام مع المحتجين الذين أساؤوا للمسجد والمصلين، بل وشتموا أم الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويرى أنّ "إمام أوغلو نفسه خسر الكثير من مؤيديه بعد تصرفات أمس، لأن المحتجين تعرضوا للمعتقد الديني، وأعادوا لذاكرة الأتراك قرارات وتصرفات حزب الشعب الجمهوري خلال حكمه، من منع ارتداء الحجاب، حتى إغلاق المساجد وتحويلها لمخازن وإسطبلات أيام الرئيس عصمت إينونو"، ويقول: "الأتراك يجتمعون على حماية معتقدهم ومساجدهم، ودخلت التظاهرات مكاناً خطراً"، داعياً لإنهاء الفوضى واحترام دور العبادة، قائلاً: "الحكومة والأمن مسؤولون عن اتخاذ الإجراءات اللازمة".
وكان أردوغان قد حمّل المعارضة مسؤولية تطور الاحتجاجات والإساءة للممتلكات العامة بقوله إن احتجاجات المعارضة على احتجاز رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو تحولت إلى "حركة عنف"، مضيفاً أن حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيس في تركيا، مسؤول عن أي ضرر بالممتلكات أو أذى يلحق بأفراد الشرطة خلال الاحتجاجات.
وأثارت احتجاجات ليل أمس وشتم والدة الرئيس التركي غضب واستياء أتراك ومسؤولين، إذ أعلن وزير الداخلية التركي السابق سليمان صويلو عن رفضه واستيائه من الشتائم التي أطلقها أنصار حزب الشعب الجمهوري ضد عائلة أردوغان، قائلاً في تصريحات صحافية إنّ أردوغان هو "قائد دولتنا وعائلتنا"، مشيراً إلى أن التصريحات المسيئة التي صدرت من (رئيس حزب الشعب الجمهوري) أوزغور أوزل ورفاقه لم تكن سوى إساءة فهم لصبرهم وأدبهم. وأضاف: "أنتم تسيئون فهم صبرنا وأدبنا، وتصدرون التعليمات للمحرضين"، مشيراً إلى أن الكلمات الموجهة ضد رئيس الجمهورية وعائلته، بما في ذلك والدته الراحلة، تُعتبر مسيئة شخصياً لهم، متوعداً المسيئين بالقول: "لقد أعذر من أنذر، ومن يقف وراء الاستفزاز سيتحمّل المسؤولية".
من جهته، دان وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا بشدة الإهانات التي وُجهت إلى عائلة أردوغان خلال التظاهرة في ساراج هانة، مضيفاً في منشور عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أنّ "ما حدث يتناقض مع قيمنا الوطنية والدينية، ويُعدّ هجوماً حقيراً"، قائلاً: "لن نسمح أبداً بمثل هذه التصرفات المتدنية. وقد بدأت قوات الأمن بالفعل في اتخاذ الإجراءات اللازمة"، مؤكداً أن الشرطة تمكنت من إلقاء القبض على 43 من المحرضين، والعمل مستمر للقبض على باقي المشتبه بهم. وقال كايا، في وقت سابق من أمس الاثنين، إن السلطات التركية اعتقلت 1133 شخصاً في جميع أنحاء البلاد منذ بدء الاحتجاجات، وإن 123 من أفراد الشرطة أصيبوا خلال الاحتجاجات حتى الآن.
ووقع أوزال بحرج، ليل أمس الاثنين، خاصة أن مصادر إعلامية أشارت لدعوته للتظاهر وحضوره شتائم بعض المحتجين لعائلة أردوغان، ما دفعه للرد سريعاً بالقول إن "تلك الشتيمة موجهة إلى أمي شخصياً"، مؤكداً أن حزبه "يمارس سياسته واعتراضاته بلغة نظيفة"، مشدداً على أن من يوجه كلمات سيئة أو يسب عائلة أي سياسي "ليس جزءاً منا". وأضاف أوزال، خلال تصريحات ليل أمس، أنّ خلط الاحتجاج بالإهانة أمر غير مقبول، خاصة إذا كانت الشتيمة موجهة إلى العائلة أو الأم، داعياً إلى "التفريق بين أولئك الذين وجهوا الشتائم وأولئك الذين خرجوا في ساراج هانة من أجل دعم الإرادة الوطنية، والمطالبة بتركيا ديمقراطية وسلمية"، بحسب قوله.
في المقابل، شدد رئيس أكبر الأحزاب التركية المعارضة على أنه لا يجب على أحد أن يحاول مقاومة رد فعل الملايين عبر عمليات توجيه الرأي، قائلاً: "لا تستهينوا باعتراض الشعب بناءً على تصرفات قلة من الجهلة". ويخشى مراقبون من دخول تركيا بصدامات بين مكونات الشعب، بعد استمرار الدعوات للتظاهر احتجاجاً على اعتقال إمام أوغلو، خاصة بعد دخول بعض الاحتجاجات ما يصفونها بأنفاق مظلمة، واعتدائها على المعتقد الديني والرموز الوطنية.
كما تزيد الخشية بعد تصميم حزب الشعب الجمهوري على تزكية أكرم إمام أوغلو مرشحاً وحيداً للمعارضة للرئاسة التركية، بل ودعوة الحزب لمؤتمر استثنائي في السادس من إبريل/ نيسان المقبل. بيد أن أصواتاً ومسؤولين من الحزب المعارض دعوا إلى إلغاء المؤتمر الاستثنائي، مشككين بأهلية الإدارة العامة للحزب.
وتقدم رئيس بلدية هاتاي السابق لطفي سافاش، وعضوا المؤتمر ليفنت تشيليك وخطيب كاراسلان، بطلب إلى المحكمة لإلغاء قرار حزب الشعب الجمهوري بعقد المؤتمر الاستثنائي. ويقول محامي سافاش والمندوبين أونور يوسف أوريغين، في التماسه المقدم إلى المحكمة المدنية الحادية والثلاثين في أنقرة، إن رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال دعا إلى عقد المؤتمر الاستثنائي الحادي والعشرين يوم الأحد في السادس من إبريل 2025 في مركز ناظم حكمت الثقافي بالعاصمة أنقرة، لكن هذه الدعوة جاءت من قبل الإدارة العامة الحالية التي تشكلت نتيجة للمؤتمر العادي الثامن والثلاثين، وأن هذه الدعوة كانت معيبة ومشوبة بأخطاء إجرائية وجوهرية، وبالتالي، فإن نتائج المؤتمر وأجهزة الحزب باطلة قانوناً.
وجاء في التماس المحامي أوريغين أن العملية القضائية مستمرة بشأن دعاوى إلغاء المؤتمر التي رفعتها المحكمة المدنية الابتدائية السابعة عشرة في أنقرة ومندوبون آخرون، وأن التحقيق الجنائي الذي يجريه مكتب المدعي العام الرئيسي في أنقرة بشأن بعض المعاملات والممارسات التي تمت خلال المؤتمر العادي الثامن والثلاثين مستمر أيضاً.
ويضيف التماس المحامي بحزب الشعب أن المؤتمر معطل ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن أيضاً من حيث القانون الجنائي، وأن المؤتمر الاستثنائي الحادي والعشرين، المقرر عقده في السادس من إبريل لاغٍ وباطل، وسيتم انعقاده بشكل غير قانوني من قبل جهات غير مرخصة، تماشياً مع قرار باطل، وقال: "نطلب بكل احترام أن يتقرر إلغاء المؤتمر وتعليق الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية".
وفيما تستمر الخشية من تطور المشهد الاحتجاجي في تركيا، تتواصل التظاهرات والدعوة للاحتجاج المستمرة منذ الأربعاء الماضي، يوم اعتُقل رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو وتصاعدت التظاهرات، خصوصاً منذ أول من أمس الأحد، بعد قرار المحكمة حبس إمام أوغلو على ذمة التحقيق بتهم الفساد.
