هل يستحقّ "الفتاة الوحيدة في الأوركسترا" (2023، 35 دقيقة)، للأميركية مولي أوبراين، "أوسكار" أفضل وثائقي قصير، في الحفلة الـ97 لجوائز "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" (2 مارس/آذار 2025)؟
تكشف مُشاهدته في المنصّة الأميركية "نتفليكس" (يُعرض منذ الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2024) أنّه عاديّ للغاية، رغم إضاءته جوانب من سيرة أورين أوبراين (1935)، عازفة الكونترباص، وابنة الممثلين الهوليووديين جورج أوبراين ومارغريت تشرشل، وعمّة المنتجة والمخرجة مولّي، التي (أورين) تُصبح، عام 1966، أول امرأة موسيقية في "الأوركسترا الفلهارمونية بنيويورك"، بفضل الأميركي ليونارد برنشتاين (1918 ـ 1990)، قائد الفرقة، والملحن وعازف البيانو والمُدرِّس والمؤلّف الموسيقي.
لا فذلكات بصرية، ولا تصنّع ثقافي، ولا ابتكارات سينمائية، بل حوار مع العازفة، ولقطات قديمة (صُور فوتوغرافية وتسجيلات بصرية)، وحكاية مروية بسلاسة، لكنّها تُقدِّم شخصية امرأة صلبة تريد تواضعاً في سيرتيها الحياتية والمهنية، فتنصرف إلى تدريس العزف على الكونترباص بعد تقاعدها من الفرقة عام 2021. اختيارها هذه الآلة استجابة لرغبةٍ لديها في العزف مع موسيقيين آخرين: "لم يكن لديّ طموح في أنْ أصبح عازفة منفردة، أو ما شابه. أحبّ أنْ أكون في الخلفية". تقول أيضاً: "أفضّل أنْ أكون فنانة سرّية، على أنْ أكون ذائعة الصيت". ثم: "أنا فنانة في ذهني، لا أريد دعاية".
غياب الفذلكات والتصنّع والابتكارات يُقابله اختيارٌ صائب لمقاطع من أفلامٍ قليلة لوالديها، والأبرز "المحاكمة الكبرى (The Big Trial)" (إنتاج 1930) لراوول والش. حوار مقتضب بين بْريك (جون واين) وروث (مارغريت تشرشل) لاحقٌ على حكاية ترويها العازفة عن بدايات انتسابها إلى فرقة، جميع أفرادها رجالٌ، تنقل مولي أوبراين من أقوالٍ لمعظمهم بأنّهم يهتمّون بها (يحملون حقيبتها، يحجزون مقعداً لها في الحافلة، إلخ)، فتضحك ساخرةً لأنّ الواقع مناقض لهذا تماماً. يقول بْريك: "يجدر بك ألّا تمتطي الحصان هنا وحدك، بعيداً عن القطار"، فتسأله روث عن السبب، ليجيبها: "لأنّها منطقة خطرة، وربما يحدث شيءٌ لك".
اختيار ملائم لبدايات مليئة بقسوة الذكورية، وحدّة اللحظة الاجتماعية والثقافية والحياتية في أميركا ستينيات القرن الـ20. وهذا رغم أنّ برنشتاين يرى فيها ما يُشبه المعجزة، فيُلحقها بفرقته الموسيقية.
لا مقارنة بالأفلام الأخرى، المرشَّحة للجائزة نفسها، لعدم مُشاهدتها. لكنّ الصنيع الفائز بها، المشغول بحرفية مهنية تقليدية بحتة، غير ممتلك مختلفاً أو تجديداً أو مغايراً للمألوف، سينمائياً أولاً وأساساً. فيلمٌ يُشاهَد، لكنّه يظلّ فيلماً عاديّاً، يُشاهد فقط، فيمنح غير العارف بعضاً من سيرة امرأة وعازفة ومُدرِّسة. أمّا الجائزة، فتبقى تفصيلاً غير مُهمّ، مع أنّ فيلماً كهذا غير مُستحقٍّ إياها.
