يتواصل تصاعد الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين ضد بلدة قصرة جنوب نابلس شمال الضفة الغربية، وسط حصار خانق وإغلاق لمداخلها منذ أكتوبر 2023. وأسفر آخر تلك الهجمات عن إصابة الطفلة أثير ربحي صايل (9 سنوات) برصاصة في الرأس، ورغم ذلك تواصل البلدة صمودها ضد محاولات تهجير سكانها وتوسيع المستوطنات على أراضيها.
خرجت الطفلة أثير من غرفة العناية المركزة بعد 10 أيام من إصابتها برصاص الاحتلال الإسرائيلي وسط مخاوف لدى الأطباء من فقدانها للبصر، جراء الضرر الكبير الذي لحق بدماغها على أثر الإصابة التي وقعت عقب الانتهاء من صلاة التراويح مساء الخامس من مارس /آذار مارس الجاري، إذ كانت الطفلة أثير في مركبة يقودها والدها في طريقهم لمستوصف بلدة قصرة لعلاج حفيدته، وهو ما تزامن مع اقتحام مباغت لقوات الاحتلال، التي أوقفت المركبة وطلبت من الأب عدم تحريكها، ومع ابتعاد الجنود عنهم، تم استهداف المركبة بنحو ثلاثين رصاصة، فأصيبت أثير برصاصة في رأسها، ولولا لطف الله لقتل كل من كان في المركبة، وفق الناشط فؤاد حسن، الذي كان شاهدا على الحادثة.
يقول حسن لـ"العربي الجديد": "الاحتلال ينفذ اقتحامات شبه يومية للبلدة ويطلق الرصاص وقنابل الغاز بشكل متعمد على المواطنين ومنازلهم المأهولة، في وقت باتت البلدة محط أنظار المستوطنين الذين يقتحمونها أيضا ويطلقون الرصاص على المواطنين ويسرقون أراضيهم لصالح توسعة المستوطنات والبؤر الاستيطانية المحيطة بنا كالسوار في المعصم".
حصار وتضييقات الاحتلال على بلدة قصرة
وأقدم الاحتلال على إغلاق كافة مداخل البلدة منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، ولم يبق إلا ممر واحد من داخل قرية مجاورة فقط، ما جعل الدخول إليها والخروج منها مغامرة قد تكلف الشخص حياته. وقبل أقل من ثلاثة أشهر فقط، ومع دخول العام الجديد كانت قصرة، على موعد مع بؤرة استيطانية جديدة، يقيمها المستوطنون فوق أراضيها، ضمن حلقة جديدة بمسلسل الاستيطان الذي يسعى للإطباق على منطقة شمال الضفة الغربية وفصلها بشكل فعلي عن وسط الضفة الغربية.
وفي الوقت الذي شرعت فيه جرافات تابعة للمستوطنين بتجريف الأراضي في منطقة تعرف بـ"جبل الخارجة"، جنوب شرق قصرة، وأحاطتها بأسلاك شائكة، فإن المنطقة سبق أن شهدت قبل فترة أعمال تجريف وشق طرق، بهدف ربطها مع مستوطنة "مجدوليم" المقامة على مدخل البلدة، fسلسلة المستوطنات المقامة على أعالي الجبال الممتدة من نابلس حتى أطراف مدينة رام الله ويزيد عددها على ثلاثين مستوطنة وبؤرة استيطانية، ما يخنق أراضي الفلسطينيين ويسيطر عليها، كما يشير رئيس بلديتها هاني عودة في حديثه مع "العربي الجديد". لافتا إلى أن المنطقة تشهد تصاعداً في البناء الاستيطاني والاستيلاء على المزيد من الأراضي لربط المستوطنات بعضها ببعض، أولها في الأغوار وآخرها في منطقة رأس العين على حدود عام 1948 من جهة محافظة سلفيت، ما يشكل حزاماً استيطانياً متصلاً.
ويلفت عودة إلى أن قصرة -التي خسرت معظم أراضيها الزراعية البالغة نحو 9 آلاف دونم، ما بين المصادرة ومنع الوصول إليها- محاطة بخمس مستوطنات مقامة على أراضيها، أربع منها تقع جنوب غرب البلدة، وهي "ايش كوديش"، "يحيى"، "عادي عاد"، "كيدا"، فيما تقع إلى الشرق منها أكبر تلك المستوطنات وهي مستوطنة "مجداليم".
حقد المستوطنين المتواصل
ووفق رئيس البلدية، فإن حقد المستوطنين وقوات الاحتلال على قصرة وأهلها يعود لأكثر من عقد من الزمان حينما تمكن المواطنون من تلقين المستوطنين دروسا قاسية والحاق الاهانة بهم أكثر من مرة، خاصة الحادثة الشهيرة في 11 يوليو 2014 حيث تم احتجاز 18 مستوطنا خلال مهاجمتهم البلدة، وسبقها احتجاز 9 بتاريخ 26 يونيو2013، واحتجاز جنديين اسرائيليين في وقت آخر كانا يرتديان لباسا مدنيا، وكذلك احتجاز 4 مستوطنين تبين لاحقا أنهم جنود في جيش الاحتلال (...) لذلك نرى العقلية الانتقامية في تعاملهم معنا.
ويصف عودة قصرة بأنها "نموذج يحتذى"، في رفض الاستسلام لقطعان المستوطنين وقوات الاحتلال، لكن تلك الاعتداءات تحول دون قدرة المجلس البلدي على تقديم الخدمات التي يحتاجها أهالي البلدة. قائلا "خطوط المياه والكهرباء، لا نستطيع تمديدها في المنطقة (ج)، فهناك أحياء كاملة لا يمكننا إدخال المعدات لها لإيصال خدمة الكهرباء، وحتى تعبيد شوارعها بالإسفلت، وكذلك النفايات أصبحنا لا نجد مكاناً لتصريفها، حيث قامت قوات الاحتلال قبل فترة بمصادرة مركبة النفايات ما يقارب شهرا كاملا، بدعوى أنها مخالِفة، لأنها كانت قد وصلت أول البلدة التي تقع ضمن المنطقة(ج) حيث يوجد المكب الخاص بها".
ويدعو رئيس بلدية قصرة كافة المؤسسات الرسمية والحقوقية للتوجه إلى قصرة، وتقديم المساعدات لهذه البلدة المهددة وتعويض أهاليها المتضررين من الاستيطان بقدر ما يستطيعون؛ لإعادة بناء السلاسل والسياج والآبار والغرف الزراعية، مطالباً المؤسسات الحكومية والجهات المختصة الوقوف عند احتياجات المواطنين في البلدة التي يشكل الاستيطان تحدياً أساسياً أمام النهوض بها.
ويدعو عودة كذلك، إلى دعم إقامة المشاريع التنموية والخدماتية فيها، فهي تعاني من النقص في مختلف المرافق والخدمات العامة وعلى جميع الأصعدة، من المياه الذي تقل كمياته في فصل الصيف، والنفايات التي لا يجدون مكاناً لتصريفها، وأيضا المياه العادمة أصبحت تهدد السلم الأهلي والمجتمعي بين أهالي البلدة؛ نتيجة عدم وجود شبكات للصرف الصحي فيها، بالاضافة لقضايا الصحة والمدارس.
