قطر: "القيادة الإنسانية" يبحث الحلول المستدامة للأزمات المتفاقمة

منذ ١ أسبوع ١٣

بدأت في العاصمة القطرية الدوحة، اليوم الثلاثاء، أعمال مؤتمر القيادة الإنسانية "القيادة التغييرية في زمن الأزمات المتعددة"، الذي ينظمه مركز القيادة الإنسانية في جامعة ديكن في أستراليا، بالشراكة مع مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة.

ويبحث المؤتمر الذي يستمر لمدة يومين بمشاركة 250 من الخبراء والأكاديميين والباحثين في عدد من المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والدولية، عن حلول واقعية ومستدامة للتحديات الإنسانية المتزايدة التي تواجه العالم اليوم، كما يسعى المؤتمر إلى إعادة تعريف دور القيادة الإنسانية وتجاوز النموذج التقليدي للقيادة نحو نهج أكثر فاعلية واستقلالية، كما يعيد صياغة العلاقة بين الفاعلين الإنسانيين والبيئة السياسية والاقتصادية التي يعملون ضمنها، فضلاً عن تعزيز الاستجابة للأزمات وتطوير مقاربات قيادية تتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع الأزمات المتشابكة، مع التركيز على استراتيجيات تقلل من الاعتماد على التمويل المشروط والتدخلات السياسية.

ولفتت وزيرة التعاون الدولي في وزارة الخارجية القطرية مريم المسند في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية إلى التحديات غير المسبوقة والأزمات المتفاقمة التي يشهدها العالم، موضحة أن "الواقع الدولي اليوم يشهد تحديات غير مسبوقة، من نزاعات لا تميّز بين المدنيين والعسكريين، وموجات نزوح جماعي، وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، تشمل منع المساعدات الإنسانية والغذاء، واستهداف المنشآت الحيوية والعاملين في المجال الإنساني، بالإضافة إلى التضييق على المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق الصراع". مضيفة أنه مع اتساع رقعة المعاناة، وازدياد أعداد الضحايا، لم تعد الاستجابة الإنسانية مسؤولية دولة بعينها أو طرف منفرد، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تكاتفاً دولياً، وتعاوناً شاملاً وفعّالاً، وإرادة سياسية جادة.

وأكدت ضرورة حشد الجهود الدولية لمواجهة هذه الأزمات ومنع الانتهاكات وإحلال السلام، مشيرة إلى أن دولة قطر، تعمل انطلاقاً من التزامها الراسخ بمبادئ القانون الدولي الإنساني، بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات إلى من هم في أمَسّ الحاجة إليها، وكذلك تفعيل أدوات المساءلة القانونية على المستوى الدولي. وأضافت رغم التحديات المتزايدة في العمل الإنساني، مثل نقص التمويل وارتفاع مستوى المخاطر التي يواجهها العاملون في الإغاثة، والذي أجبر العديد من المنظمات على تقليص عملياتها، فإننا لم نتوانَ عن أداء دورنا في كثير من مناطق الأزمات حول العالم، مثل فلسطين والسودان وغيرها.

ودعت المسند الى إعادة تقييم آليات العمل المشترك وحشد الإرادة السياسية والدعم الدولي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، والاستناد إلى بيانات دقيقة لتحديد الأولويات، والاحتياجات التي تضمن الاستجابة الإنسانية الفعّالة، إضافة إلى تطوير آليات الاستجابة الإنسانية لتكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع الواقع المتغير، بحيث لا تقتصر الجهود على المساعدات فقط، بل تشمل الوقاية، وبناء القدرات، والضغط الدبلوماسي لحماية المدنيين، ومحاسبة من ينتهكون القانون الدولي، كما دعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته الكاملة، وألّا يتقاعس أمام المآسي أو يعتاد على صور المعاناة، وقالت "لا يجوز لنا أن نقبل بسياسة الأمر الواقع، بل يتوجب علينا أن نتكاتف لإعادة تشكيل هذا الواقع، على أسس من العدالة والكرامة، والرحمة".

سعدتُ بافتتاح مؤتمر القيادة التغييرية في زمن الأزمات، بمشاركة نخبة متميزة من القادة في العمل الإنساني. ومع تصاعد الأزمات حول العالم، نؤمن بأهمية توحيد وتنسيق الجهود الدولية لحماية المدنيين والتخفيف من معاناتهم. سنواصل إيصال المساعدات ما دام هناك طفل تحت الأنقاض، أو مريض بلا دواء.… pic.twitter.com/G0CZUK7Oao

— مريم بنت علي المسند (@MANAlMisned) April 8, 2025

من جهته قال مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني غسان كحلوت، إن العمل الإنساني في صورته التقليدية، يواجه اليوم اختبارات صعبة على مستوى المفاهيم، وعلى مستوى الممارسة، وعلى مستوى المشروعية الأخلاقية والسياسية، وبلغ الضغط على المنظومة الإنسانية الدولية حداً غير مسبوق، إذ نواجه اليوم واقعاً تتراجع فيه الموارد، وتتعقد فيه أنظمة الامتثال، وتُقيد فيه مساحة الحياد والاستقلال والنزاهة، بل وتُستهدف فيه المنظمات والعاملون الإنسانيون بشكل ممنهج، بالقتل المباشر المتعمد أو عبر القيود القانونية، أو الاتهامات السياسية، أو التضييق المالي، أو التشكيك في النوايا، مؤكداً أن موضوع المؤتمر حول القيادة الإنسانية في عالم متعدد الأزمات "ليس خياراً عشوائياً، بل هو استجابة موضوعية لحاجة ملحة إلى إعادة تعريف من يقود، وكيف، ولمصلحة من" .

واستحضر الكحلوت، المآسي الإنسانية التي يشهدها العالم عامة، والمنطقة خاصة: في سورية، السودان، اليمن، أفغانستان، وتلك الفاجعة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، التي لا تمثل مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل صدمة كبيرة لكل من آمن بأهمية المنظومة الإنسانية و قيمها، قائلاً: "هذه ليست مجرد معاناة، إنها مذبحة موثقة، تجري أمام أعين العالم، وسط عجز فادح للمنظومة الدولية، وتراجع مقلق في قوة القانون، وانعدام القدرة بل الإرادة على الاضطلاع بمسؤولية الحماية". ولفت في هذا الصدد إلى الدور الذي تضطلع به دولة قطر في دعم العمل الإنساني إقليمياً ودولياً فقد شكلت قطر خلال العقود الماضية رافداً أساسياً للجهود الإغاثية والتنموية، كما ساهمت في بناء مساحات للحوار الإنساني والنقاش الأكاديمي حول التحديات الأخلاقية والسياسية التي تواجه العمل الإنساني، ما يعكس التزاماً متزايداً بترسيخ نهج أكثر عدالة واستدامة.

وستناقش جلسات المؤتمر في ورش عمل متخصصة، كيفية تفكيك القيود المؤسسية وتحليل البنى التي تعيق العمل الإنساني، واقتراح آليات تتيح استقلالية أكبر للمنظمات الإنسانية، بما يضمن استجابتها وفق الأولويات الفعلية للاحتياجات على الأرض، وتوسيع نطاق القيادة التغييرية ودعم قيادات جديدة قادرة على العمل خارج الأطر التقليدية، وتمكين الفاعلين المحليين من لعب دور مركزي في توجيه الاستجابات الإنسانية والتنموية، وإعادة بناء الثقة في العمل الإنساني من خلال البحث في آليات استعادة الشرعية الأخلاقية للقطاع الإنساني، وضمان التزامه بمبادئه الأساسية بعيداً عن التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية.

ويركز مؤتمر القيادة الإنسانية 2025 على دور القيادة في مواجهة الأزمات بطرح تصورات تتجاوز الإدارة التقليدية إلى إعادة تشكيل واقع العمل الإنساني نفسه، في ظل تضاؤل الموارد وتزايد القيود السياسية والتدخلات الأيديولوجية، إذ لم تعد الأزمة مقتصرة على نقص التمويل، بل تمتد إلى غياب الاستقلالية، وفرض شروط تحد من قدرة الفاعلين الإنسانيين على الاستجابة بفعالية.

قراءة المقال بالكامل