كارل إيرنست... حين تُغني الترجمةُ الثقافة الكونية

منذ ١ أسبوع ٢١

أن ينبري باحثٌ أميركي من وزن كارل إيرنست لترجمة أشعار الحلاج إلى اللغة الإنكليزية، فهذا في حد ذاته حدثٌ أدبيّ وثقافي، وفعلٌ إبداعي يتخطّى الحدود الثقافية والدينية. ويمكن القول إن ترجمة كارل إيرنست لأشعار الحلاج، التي أشادت بها كبرى الصحف الأميركية، وفازت بجائزة مرموقة في الترجمة هي The Global Humanities Translation Prize وصدرت بعنوان "الحلاج: قصائد متصوّف شهيد"، تؤكّد على العمق الروحي والأدبي والفكري للتجربة الصوفية العربية، وقدرتها على إغناء حساسية القرّاء على المستوى العالمي. 

لا تقتصرُ جهود كارل إيرنست على الترجمة، فهو باحث فذّ وأكاديميّ مرموق ألّف عدداً من الكتب التي تُعد مراجع مهمة في موضوعها أبرزها: "شهداء العشق الصوفيون"، "على نهج محمد: إعادة التفكير في الإسلام"، و"كيف تقرأ القرآن؟"، و"مقدّمة في التصوّف" وغيرها من الكتب الأخرى. 

تخصّص كارل إيرنست في الدراسات الإسلامية، وركّز في أبحاثه على غرب وجنوب آسيا في ثلاثة مجالات: القضايا العامة والنقدية للدراسات الإسلامية، التصوّف القديم والمعاصر، والثقافة الهندية الإسلامية، ودرس موضوعات كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا)، وإشكالية قراءة القرآن، وإعادة التفكير النقدي في الدراسات الإسلامية، وإشكاليات فهم الإسلام. وتناولت دراساته في التصوّف الجوانب الأدبية والتاريخية والمعاصرة للتصوّف الإسلامي، خاصة في شبه القارة الهندية وباكستان، وفي الفضاء الثقافي الفارسي، كما يواصل دراسة طويلة الأمد للتفسيرات الإسلامية للأديان الهندية، خاصة ما يتعلق منها بممارسة اليوغا.

"لا يتحدّث الحلاج إلى مستمعيه، بل يبوح لهم بما في قلبه، ويسجّل صعوده إلى الذروات وارتياده للأعماق. أما الحرية التي يعبّر بها عن معاناته الداخلية فتتحدث عن أعمق جوانب إنسانيتنا المشتركة، وتثير قصة اضطهاده وموته تعاطف كل من يخاف من سلطة ظالمة" يقول الباحث والمترجم الأميركي لـ"العربي الجديد".


■ ما الذي دفعكَ إلى ترجمة أشعار الحلاج، وما الذي لفت نظرك فيها داخل سياق التصوّف؟

- اطلعتُ على شعر الحلاج بالعربية أوّل مرة حين كنتُ طالب دراسات عليا في "جامعة هارفارد"، وكنتُ وقتها أدرس مع المستشرقة الألمانية آن ماري شيمل. كان الصوت في قصائد الحلاج مباشراً وحميميّاً جداً، يتأرجح بين التوحّد بالخالق والانفصال عنه، فيما يخيّم عليه ظلّ الشهادة. أحدثَ شعرهُ فيّ تأثيراً قوياً، وأتذكّر أنني عثرتُ على بيت شعر في كتاب "رسالة التجريد في كلمة التوحيد" لأبي حامد الغزالي (إذا ذكرتكَ كاد الشوق يقتلني) وأريته لشيمل، فقالت: "هذا للحلاج". فعقّبتُ: "هذا ما أحبّه ويتناسب مع ذائقتي"، وانتهى بي المطاف إلى كتابة الكثير عن الحلاج وشعره ومحاكمته وإعدامه في أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه، التي تحوّلت إلى أوّل كتاب لي صدر بعنوان "كلمات الشطح في التصوف" (1985)، وكان الموضوع الأساسي للكتاب هو شطحات الصوفيّين، ولقد ترجمتُ عدداً من قصائد الحلاج التي كانت مهمة لدراسة الموضوع. وبعد مضيّ سنوات كثيرة اكتشفتُ أنَّ القصائد ما تزال موجودة لديّ، وبما أنّه لم يسبق لأحد أن نشر ترجمة كاملة لقصائد الحلاج، قرّرتُ أن أفعل ذلك ونشرتُ الكتاب في 2018. إن القصائد التي تُنسب إلى الحلاج تشكّل أكبر مجموعة في الشعر العربي كتبها أي متصوّف من الأوائل ولهذا السبب تحظى بأهمية خاصة.


■ كيف تصف دور التصوّف داخل الإسلام، وكيف يعكس شعر الحلاج المبادئ الروحية والفلسفية للتصوّف؟

- كان التصوّف تراثاً من الممارسات الروحية والتعاليم الأخلاقية التي أثّرت كثيراً في المجتمع الإسلامي لأكثر من ألف عام. واعتمد العديد من هذه الممارسات على التأمّل العميق في القرآن الكريم وفي حياة النبي محمد، علاوة على بناء مجتمع يشترك أفراده في ممارسات دينية مكثّفة تتجاوز التجارب الروحية للأشخاص العاديين. وفي الوقت الذي راكمت فيه فتوحات الخلافة الإسلامية الكثير من الثروة والقوة، سعى الصوفيون إلى الانفصال عن الدنيا وفسادها. واستعان الشعر الصوفي في بداياته بالعديد من الأساليب الشعرية القائمة، بما فيها قصائد الزهد التي تدعو إلى الانصراف عن إغراءات الدنيا. كان هناك أيضاً أسلوب شعر الحب العذري الذي يتحدّث عن العشاق المتألمين، وكان المتصوّفون مُغرمين أيضاً بشعر البلاط في العصر العباسي، وبقصائد الحبّ والخمر لأبي نواس، على الرغم من أنهم قدّموا تفسيرات صوفية جديدة لها. وتشتمل قصائد الحلاج على أبيات شعر تقليدية مثل قصائد الحبّ العادية والمواعظ والألغاز، لكنّها تضم أيضاً قصائد غير عادية عن حبّ الله والطريق الذي يجب أن تسلكه الروح والميتافيزيقا والاستشهاد والاتحاد بالله، وهي تعكس تبحّره في مصطلحات التصوّف التي لها في بعض الأحيان طبيعة فلسفية جليّة. علاوة على ذلك، ينبغي ألّا ننسى أنّ معظم المتصوّفين تخلّوا عن الحلاج عندما حُوكم، لقد باح الحلاج بسرّ تجربته، لكن معظم المتصوّفين في ذلك الوقت قصروا تعليمهم على النخبة الروحية وعدّوه خائناً.

■ ما التحديات التي واجهتك أثناء ترجمة شعر الحلاج إلى الإنكليزية، وما الاستراتيجيات التي اتّبعتها لجعل شعره مفهوماً للقارئ؟

- من الصعب ترجمة الشعر العربي إلى الإنكليزية. لقد تعاملتُ مع البيت بوصفه وحدةً أساسيةً، دون أن أجعل له قافية، لكنني حافظتُ على الإيقاع. تحتاج كل قصيدة إلى تحليل من حيث السمات البلاغية الأساسية، بما في ذلك التوازي والتناقض والاستعارة. وكان من المهم التأكّد من أنّ الاستعارات يجب أن تُفهم على نحو صحيح، بما أنها اللبنة الأساسية للمعنى. لجأتُ أيضاً إلى استخدام مفردات معاصرة متجنباً المصطلحات الغامضة، ومن التحديات التي واجهتني تحديدُ القصائد التي كتبها الحلاج، ولم يكن ذلك سهلاً؛ لأن أغلب كتاباته أُحرقت. اخترتُ مئة وسبع عشرة قصيدة، وقسّمتها إلى أقسام بحسب الموضوع، ووضعتُ لكل قصيدة عنواناً باللغة الإنكليزية، مستخدماً الكلمات الرئيسية من القصيدة، مع ملاحظة تمهيدية قصيرة حول معناها، كما قدّمتُ في الحواشي المصادر والقراءات المتنوّعة والتعليقات الإضافية.
يحتوي الملحق على شروح لاثنتين وعشرين قصيدة واردة في كتاب "أخبار الحلاج"، وكان الهدف من هذا كلّه مساعدة القارئ على فهمٍ أفضل للقصائد.

تعاملتُ مع البيت الشعري وحدةً أساسيةً دون أن أجعل له قافية


■ كيف تنظر إلى إسهام الحلاج في شعر التصوّف، مفترضين أنَّ كلّ شاعر يضيف شيئاً فريداً وشخصياً ورؤيوياً للتراث الأدبي؟

إن معظم قصائد الحلاج عبارة عن مقاطع قصيرة (مقطّعات) تتعلّق بمناسبات وتتناول موضوعاً واحداً، على الرغم من أن اثنتي عشرة قصيدة تتألف من عشرة أسطر أو أكثر قد أُطلق عليها اسم قصائد، تصف تحوّل الذات، وغالباً ما تحتوي على بنية متناظرة. زدْ على ذلك أنّ نبرةَ كثير من القصائد حميميّةٌ، لأن عدداً كبيراً منها يخاطب القارئ بالضمير"أنت"، وتحتوي قصائد الحلاج على استعارات تتعلّق بالمحيط والصحراء لوصف فناء ذاته، وثمّة أيضاً صور صارخة مثلَ أن يحمله طائر كبير وينقله بعيداً، أو صورة رجل غريق لا ترى منه إلا رؤوس أصابعه. ويستكشف الحلاج الاستعارات التي تعبّر عن الاتحاد مع الخالق، مثل اختلاط المواد، أو حلول الروح. وتحتوي العديد من القصائد على مفارقات تُعكس فيها الأضداد، وكان يستخدم "الكلمات المحيّرة وغير الواضحة"، فيجمع حروف الجر ليخترق المنطق البشري العادي (فيهِ بهِ مِنهُ يَبدو فيهِ إِبداء). فكان يحمد الله تارة، ويشكو منه طوراً. وقد تناولت قصائد عدّة محنةَ إبليس الذي فتن الحلاج، أما قصائده الأكثر شهرة فقد توسّل فيها كي يُقتل (اقتلوني يا ثقاتي)، ويصف الحبّ بأنه جوهر الله (العشق في أزل الآزال)، ويورد المصطلحات التي جاء بها المتصوّفون (سكوت ثم صمت)، ويصوّر رفض المتصوّفين له وتأكيده على الاتحاد مع الله (أنا من أهوى)، كما يتميز شعره بالتبجيل العميق للنبي.  


■ ما رأيك بدراسة لويس ماسينيون للحلاج؟ هل تجد منظاره الكاثوليكي مساعداً، أم يحدّ من فهم هذا الشاعر الصوفي العظيم؟

نحن مدينون للمستشرق الفرنسي ماسينيون، لأنّه أعاد اكتشاف الحلاج ونشر الأعمال القليلة المتبقّية التي ألّفها. كان مهووساً بالحلاج طوال حياته، بدءاً من التجربة التي ضلّ فيها طريقه في الصحراء في 1908، بينما كان في بعثة أثرية قرب بغداد، لقد صادفَ حضوراً روحانياً عرّفه بأنه مزيج من المسيح والحلاج. بقي ماسينيون طيلة حياته كاثوليكياً ومنتمياً للرهبنة الفرانسيسكانية الثالثة العلمانية، لكنّه حصل على إعفاء من البابا كي يصلّي بالعربية. وهناك من انتقده ونظر إليه مستشرقاً ماكراً حاول أن يقوّض الإسلام لكنني لا أتفق مع وجهة نظرهم. إن كتاب "آلام الحلاج" (1922) الضخم، الذي يزيد عن ألف صفحة ونُقِّحَ في عام 1975 في أربعة مجلدات، وتُرجم إلى الإنكليزية عام 1981 محاولة علمية لإثبات صلة ماسينيون الشخصية بالحلاج من خلال سلسلة الأسانيد (وصف أربعة روابط مختلفة بينه وبين الحلاج)، وكان ماسينيون مدافعاً قوياً عن حقوق الفلسطينيين، ودعا إلى نموذج أصحاب الكهف السبعة في أفسس أساساً للقداسة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، وكانت طبعات وترجمات ماسينيون للكتب التي تحتوي على كتابات الحلاج مؤثّرة للغاية بين المفكّرين العرب المعاصرين. 


■ غالباً ما يعبّر شعر المتصوفين عن تجارب روحية عميقة. برأيك كيف أسهمت أعمال الحلاج وتجربته في فهمنا لتراث التصوّف في الإسلام؟ 

يشكّل الحفاظ على قصائد الحلاج على مرّ العصور شهادة على الإقرار بأهميته. ورغم أن الحلاج بقيَ مثيراً للجدل، إلا أنّ أقواله حُفظت أحياناً من دون الإشارة إلى اسمه بوصفها أقوال "أحد العظماء"، وقد حظي قوله "أنا الحق" بالقبول بوصفه تعبيراً عن تجربة روحيّة عُليا لفناء الذات. في الوقت نفسه، تبقى الإشكالية المتعلّقة بما يمكن أن يُكشف عنه. ومع ذلك، من الواضح أنّ قصائد الحلاج وأقواله قد قُرئت باستمرار، واحتفظت بأهميتها على مرّ العصور، ويتجلى ذلك في مقتطفات أقواله في أعمال المتصوّفين، بدءاً من جلال الدين الرومي وصولاً إلى عبد القادر الجزائري. إنّ قصة الحلاج هي أيضاً القصة المتداولة على نطاق واسع لمفكر مُلهم يَجْهر بالحقيقة في وجه سلطة سياسية فاسدة ويتعرّض للاضطهاد ويُقْتل في النهاية بسبب كلماته، إن رغبته في أن يكون شهيداً هي أحد الأسباب التي تجعله مثيراً للإعجاب على نحو متواصل. 


■ ما الذي يجعل الشعر الصوفي متميزاً عن أشكال أخرى من التعبير الأدبي العربي والإسلامي، وعن الشعر الكلاسيكي العربي؟

لا يمكن تمييز الشعر المتداول في أوساط المتصوّفين من حيث النص أو الشكل، عن أشكال أخرى من الشعر وُجدت في الثقافة العربية في بداياتها من نواح كثيرة. بعبارة أخرى، على الرغم من أنّ بعض الخصائص الشكليّة كانت شائعة في الشعر الصوفي، إلّا أنّه لا يمكن حصره بتعريفه على أنّه يعود إلى شعراء معيّنين، ولا حتى بوصفه نوعاً أدبياً أو أسلوباً محدّداً، إن ما يربط هذا الشعر بالتصوّف هو كيفيّة تلقّيه وتأويله، كان الشعر يُلقى عادة في جلسات جماعية وترافقه الموسيقى، إذ كان الشطح ظاهرة مُنتشرة آنذاك. لذلك يمكن تعريف الشعر الصوفي بأنّه قصائد يُسْتمع إليها وتُفهم من خلال تأويلات التصوّف، بغض النظر عمّن كتبها أو مصدرها، بالتالي يتعلق الأمر أكثر بالشعر الذي يسمعه المتصوّفون ويعيشونه بدلاً من كونه شعراً من تأليفهم مباشرة.

■ كيف تقترح التوفيق بين المعتقدات والممارسات الإسلامية التقليدية وتحديات الحداثة، خاصة في سياق التغيرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية؟

كانت هذه السيرورة تجري طوال 250 عاماً وما سهّلها هو غزو معظم البلدان الإسلامية واستعمارها. تنبع إحدى المشكلات من النظر إلى مفهوم المعتقدات والممارسات الإسلامية التقليدية بعدسة المفاهيم الرئيسية للحداثة، مثل الفن والعلم والدين والمجتمع وما شابه ذلك. إن فكرة التراث هي في الأساس الفكرة الأوروبية حول الأعمال الكلاسيكية التي تُعَرَّف دوماً في تضاد مع الحداثة بالرغم من كونها حديثة من حيث الجوهر، وتزعم بالأصولية أنّها تعود إلى الإسلام الأصلي النقي، رغم أن الجميع يعلمون أن السفر عبر الزمن مستحيل وأن التقيّد الحرفي فعل استبدادي. 
يكمن الحل في تبني الأدوات الفكرية للحداثة ـ العلوم الاجتماعية مثل الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والنقد الأدبي والتأريخ والفلسفة والدراسات الدينية ـ والانخراط في نقد الحداثة والتراث، وكما وظّف المفكرون في العصور الوسطى (كما فعل الغزالي) الفلسفة اليونانية على أكمل وجه، فإنّ المفكرين العرب والمسلمين المعاصرين أيضاً بحاجة إلى توظيف أقوى للموارد المتاحة وتهيئة الظروف للتعبير الحر وهذا أمر ضروري لنجاح هذه المهمة.


■ في دراساتك وأبحاثك تناقش شيطنة الإسلام في الغرب، لكن في العالم الإسلامي، يواجه التصوّف أيضاً انتقادات مماثلة. لماذا يسعى الأصوليون في الإسلام إلى تقويض التصوّف أو شيطنته، على الرغم من جذوره التاريخية العميقة وتأكيده على البعد الروحي؟ ما الذي يجدونه مهدِّداً في الممارسات والمعتقدات الصوّفية؟

لقد هُوجم التصوّف في الأزمنة الحديثة لأسباب عديدة، ولم يتمكن المستشرقون من مصالحة المظاهر الجذابة في التصوّف (الشعر والحب) مع فكرته عن الإسلام بوصفه تشريعاً جافاً، لذلك قالوا إن التصوف جاء من مكان آخر مثل الرهبنة المسيحية والبوذية أو اليوغا، ونشأت المعارضة الأصولية جزئياً بسبب الشعبية الهائلة للطرق الصوفية ومزارات الأولياء التي تلقت الدعم المالي من الحكام الإقطاعيين من المغرب إلى ماليزيا، وشجب الوهابيون الحج إلى قبور الأولياء بوصفه عبادة وثنية، وعارضوا أفكار التوسط الروحاني كلها من الشيوخ والأئمة، وعدّوها تهديداً يعوق طموحهم للسيطرة على المجتمع، وأدان الحداثيون والعلمانيون التصوّف بوصفه خرافة، واستخدموا موارد الدولة الحديثة كلها لقمع المؤسسات الصوفية والقضاء عليها، كما حدث عندما حظر أتاتورك الطرق الصوفية في تركيا عام 1925. لقد انتهى عصر الطرق الصوفية الرسمية، وربّما يكمن مستقبلها في الأنشطة الثقافية، وخاصّة الموسيقى والفنّ والشعر، والانخراط في المُثل الأخلاقية والرؤى الكونية التي نجدها في أعمق تراثات الصوفية.

■ كيف تقيّم شعر الحلاج على ميزان كونيّ وما الذي يجعله يتخطى التراث الإسلامي كي يتحدّث مع جمهور إنساني أوسع؟

إن أحد المؤشرات على سهولة تلقّي شعر الحلاج هو شعبية قصائده المصحوبة بالموسيقى في عشرات مقاطع الفيديو على الإنترنت، لقد عثر مطربون بارزون في قصائده على صدى تواصل لأكثر من ألف عام، لا يتحدّث الحلاج إلى مستمعيه بل يبوح لهم بما في قلبه ويسجّل صعوده إلى الذروات وارتياده للأعماق، أما الحرية التي يعبّر بها عن معاناته الداخلية فتتحدث عن أعمق جوانب إنسانيتنا المشتركة، وتثير قصة اضطهاده وموته تعاطف كل من كان لديه سبب للخوف من سلطة ظالمة، كما أن غزارة تواصله الحميم مع الله استثنائية. يجب أن ننظر إلى الحلاج بوصفه أحدَ المبدعين العظماء في الثقافة العربية الذين يمكن للعالم أن يتقاسمهم مع العرب.

 

* شاعر ومترجم سوري مقيم في الولايات المتحدة
 

 

قراءة المقال بالكامل