لجان غير مختصّة لفض النزاعات في سورية

منذ ٢ شهور ٣٧

انتشرت في العاصمة دمشق وبعض المدن السورية في الآونة الأخيرة، لجان لحل النزاعات المادية والعقارية وقضايا أخرى تخصّ العلاقات الاجتماعية والزواج والطلاق. واتخذت الجوامعَ مقراً لأعمال التحكيم، بحجة أن الغاية هي مساعدة الناس وحل الخلافات العالقة والطارئة بالتراضي دون اللجوء إلى الادّعاء والقضاء، مع أن القرارات الصادرة عنها لا يؤخذ بها قانونياً، وليست مُلزمة لأحد طرفي الخلاف إلا أخلاقياً فحسب، مع الادّعاء أن جميع الخدمات مجانية.

وأعلنت عدة لجان تشكيلها في مناطق عدة بدمشق بدءاً من أحياء ركن الدين وعرطوز والمسجد الكبير في حي كفرسوسة، في حين أُنشئت لجان في محافظات أخرى للغاية نفسها، معتمدة في قوامها على بعض رجال الدين والقضاة والمحامين ومعقّبي المعاملات.

هذا الانتشار الكبير للجان أثار حفيظة عدد كبير من المحامين والقضاة، إذ اعتبرها البعض شكلاً من أشكال خداع المواطنين وتحريف العمل القانوني والقضاء. وأكد عدد منهم أن هذه اللجان مأجورة وتتقاضى أجوراً غير معلنة، وشكك العديد منهم في الشهادات العلمية لدى أفرادها، وقالوا إنها ستعمل وفق الشريعة وليس القوانين والتشريعات النافذة في القانون السوري، بينما تساءل البعض منهم عن العدل والإنصاف في لجان قضائية لا تحمل في مكوناتها أي عنصر نسائي من القضاة أو المحامين، وأكد آخرون أن معظم الشهادات المتوفرة في اللجان تعتمد الشريعة الإسلامية أساساً للعمل، ما يستثني باقي مكونات المجتمع من حق التقاضي لدى هذه اللجان.

وتحدث المحامي عارف الشعال، عن تشكيل لجنة قضاء بديل للبتّ في الخصومات بين الناس، بإشراف رجل دين في مكان للعبادة في ظلّ إدارة للبلاد ذات توجه ديني بحت، وقضاء معطّل بجزء كبير منه، دون أن تبين للناس أنها لا ترتبط بالسلطة أو الدولة نهائياً، وأنها ذات طابع اختياري، وأن قراراتها غير رسمية وغير قابلة للتنفيذ جبراً، وغير ملزمة للدولة، وعبارة عن رأي شخصي، وأن خدماتها مجانية تماماً.

وأضاف الشعال في تصريح لموقع محلي، أن عمل هذه اللجان غير رسمي، ولا يجوز تطبيقه، فهو ينطوي على خداع الناس، إذ قد يعتقدون أن هذه اللجان تابعة للإدارة الجديدة ولها صلات معها، وحكمها يمكن أن يطبق بينما العكس صحيح، فقراراتها تعتبر غير رسمية وغير قابلة للتنفيذ جبراً.

من جانبه، قال ناصر ونوس من مدينة السلمية في ريف حماة في تعليق له على تشكيل هذه اللجان؛ لقد شاع هذا المنطق في أغلب المناطق السورية وتشكلت هيئة في كل مسجد، ويمارس أعضاؤها الشرع بين الناس على طريقة قس بن ساعدة، أو ما يشبه أسياد القوم. وفي مدينة السلمية هناك أكثر من مجلس عشائري وفي هذا تغييب للسلطات القضائية المغيبة والمعطلة. وأضاف: "أرى أننا نعود رويداً رويداً إلى حالة العشيرة والرعية وبيت المال".

وأمام هذا التصعيد في الرأي الشعبي والقانوني وغياب التدخل القضائي لمنع هذه اللجان أو تشريعها، أعلنت لجنة حل النزاعات في كفرسوسة، وعلى لسان منسقها محمود عرابي، وقف أعمال اللجنة مؤقتاً، في حين تستمر أعمال باقي اللجان علناً، وبادعاء أنها تسعى لأفعال الخير دون أي بدل مادي، وعلى هذا الأساس تأسست لجنة ركن الدين في 18 يناير الماضي برئاسة القاضي بشير الجسري، وعضوية قاضيَين آخرَين وخمسة محامين ومحكم شرعي، بالإضافة إلى اثنين من معقبي المعاملات.

وفي السياق تقول الناشطة في العمل المدني بدمشق، ميسون سليمان، لـ "العربي الجديد"، إن عمل هذه اللجان يأتي من باب إبداء المشورة والتحكيم، وقراراتها أو أحكامها غير ملزمة، وقد تكون مفيدة في جانب حل بعض النزاعات العائلية، خاصة أن اللجوء إليها يتم بموافقة طرفي المشكلة، وقد تخفف عناء وتكاليف وزمن  التقاضي في المحاكم، لأن هذه الأخيرة باتت تشكل عبئاً كبيراً على الناس عموماً، لكن يُخشى أن تُصبح هذه اللجان شرعية، وتعمل بحكم القانون لتكون بديلاً في وقت قادم عن القضاء العادل الذي ينتظره كل السوريين. وتستمد شرعيتها من حكم القانون وبدل الأتعاب والنفقات، وتُدخل الناس والقضاء في متاهات التحكيم بين السلطتين.

وتابعت، أما من جهة الثانية فأنا شخصياً لا أثق بعدالة لجان تحكيم من جنس واحد وربما من مذهب واحد، وبالتالي أرى فيها بالإضافة لوضعها غير القانوني أنها مختصة بمكون اجتماعي دون الآخر".

وفي سياق متصل، عزل مجلس القضاء الأعلى، الذي يترأسه شادي الويسي وزير العدل في الحكومة السورية المؤقتة في 28 يناير، القضاةَ الذين شغلوا مناصب في مجلس الشعب، والمنتدبين لقيادة حزب البعث البالغ عددهم 20 قاضياً، حيث شغلوا مناصب عدة في حكومة النظام البائد، وأصدروا أحكاماً وقرارات تخدم النظام وتنافي الدستور السوري كما ادعى العديد من المحامين. في حين استثنى القرار القضاة المنتدبين لمحكمة القضاء العسكري وهم خمسة قضاة، علماً أن تاريخهم في المحكمة يدل على استصدار أحكام ارتجالية بحق العديد من الموقوفين دون السماح لهم بحضور محامي دفاع.

يقول المحامي شادي العزام لـ "العربي الجديد"؛ يحق لوزير العدل إصدار هذا القرار بدلاً من مرسوم لرئيس الجمهورية بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى بالنيابة عن رئيس الجمهورية بسبب شغور منصب الرئيس. ولكن اللبس في هذا القرار أن يصدر عن حكومة مؤقتة، ويأخذ طابع الشرعية في غياب دستور معتمد أو أثناء التوجه لإعلان دستوري، وهذا ما يترك المجال مفتوحاً أمام الحكم على العديد من القرارات الصادرة عن وزارة العدل للزمن المقبل.

قراءة المقال بالكامل