كثرت التكهنات واختلفت الاستنتاجات التي تفسر قرار البنك المركزي السوري بحبس السيولة في المصارف وعدم السماح للمودعين إلا بسحب مبلغ مليون ليرة فقط في اليوم الواحد. ومع ذلك، إلى اليوم، لم يفصح البنك المركزي عن السبب الحقيقي الذي دفعه للقيام بمثل هذا الإجراء، على الرغم من علوّ صوت المستهجنين لهذا القرار من التجار والمواطنين. والسؤال: هل السبب فعلًا، كما رآه البعض، أن البنك لا يملك السيولة من الليرات السورية، أم أنها مجرد سياسة ارتآها المركزي لرفع قيمة الليرة والمحافظة على استقرارها؟
الخبير الاقتصادي شفيق عربش انتقد سياسة المركزي المتبعة حاليًا، متسائلًا: "ما هذه السياسة النقدية التي يتبعها المركزي من حبس للسيولة؟ هل نسميها خوفًا من ارتفاع الليرة أمام الدولار، أم أن الغرض منها إجبار قسم كبير من المواطنين على بيع جزء كبير من مدخراتهم من الدولار، ليقوم بعض المضاربين من الصرافين مجهولي الهوية بشراء كامل كميات الدولار من السوق وإعادة بيعها بضعف سعرها عند ارتفاع الدولار؟".
وأضاف عربش: "لماذا تُجبَر المصارف على إرجاع جميع الفائض لديها من الليرة السورية للبنك المركزي، وتنتظر صباحًا ليعيد البنك إعطاءها الليرات السورية لتشغيل كواتها وبنوكها؟ ما هو سبب إصرار المركزي على حبس السيولة؟".
انتقاد قرارات المركزي السوري
وتابع "هذا القرار لا يزال إلى اليوم غير مفهوم ومتناقض مع ما نراه من انتشار عشوائي لبسطات صرافين مجهولي الهوية، حيث تحول شارع 29 مايو/ أيار إلى سوق للصرافين، واللافت امتلاكهم لفئات مالية جديدة من فئة 5 آلاف، والألف، وحتى 500 ليرة سورية، على عكس ما تحصل عليه من فئات مهترئة وممزقة عند السحب من البنوك. ألا يخجل البنك المركزي من إرسال مثل هذه الفئات التي حالها كما يقال (لا تلقّني بتشقّني)؟ تحار في من سيقبل بحيازتها، فهو بحاجة إلى امتلاك لاصق لتصحيح الأوراق الممزقة".
وأشار عربش إلى أن العملة الوطنية للأسف لم تفقد قيمتها الشرائية فحسب، وإنما فقدت هيبتها ومكانتها عند الناس. فأحيانًا، ترى ورقة من فئة 500 ليرة ممزقة ومرمية على الأرض في الشارع، كما أنه من المخجل أن يلجأ الباعة إلى وضع النقود على الميزان من أجل عدّها، خاصة إذا كانت العملة قديمة.
من جانبه، أكد عميد كلية الاقتصاد، علي كنعان، وجود نقص كبير في السيولة بالليرات السورية في البنك المركزي، والسبب برأيه يعود إلى أن البنك، في المرحلة السابقة، في عهد النظام السابق، قام في أواخر حكمه باستغلال ودائع المودعين في البنوك وقدمها للحكومة للإنفاق على تمويل العجز والرواتب والدفاع والجيش، ما أدى إلى انتقال هذه المبالغ إما إلى دول مجاورة أو إلى تجار قاموا بتخزينها في أقبية خاصة.
وشرح أن هذه المبالغ أصبحت تدور في الاقتصاد الوطني، لكنها لا تعود إلى الإيداع في البنوك، لأن البنك المركزي خفّض حجم السحوبات للمودعين لدعم قيمة الليرة السورية وتثبيتها عند 15 ألفًا مقابل الدولار. وهذا ما دفع التجار والصناعيين للاحتفاظ بالنقود في منازلهم بدلًا من البنوك (تخفيف منابع السيولة)، فاستقر سعر الصرف عند 15 ألفًا، لكنه لم يكن السعر الحقيقي، وهذا الأمر أدى إلى الأوضاع السيئة التي نعيشها من قلة السيولة بالليرة السورية في البنك المركزي.
وأضاف أن القاعدة البنكية العالمية تقول إنه على جميع البنوك ترحيل ما لديها من ودائع إلى البنك المركزي، والاحتفاظ بـ 5 إلى 10% في خزائنها، وبهذا يستطيع البنك المركزي السيطرة على أدوات السياسة النقدية. واليوم، البنك المركزي لا يسمح للمودعين إلا بسحب الحدود الدنيا، أي مليون ليرة في اليوم، و5 ملايين في الأسبوع، وهذه السحوبات لا يعود منها إلى البنوك إلا النذر اليسير، فقد أصبح التجار يدخرونها في المنازل بدلًا من إيداعها في البنوك، فعدنا إلى معضلة ما كان يقوم به النظام السابق من سياسة نقدية.
