في مشهد يتكرّر كل عام مع حلول شهر رمضان، تعود مشكلة التعطيل غير الرسمي في الكثير من مدارس البلاد إلى الواجهة في ليبيا، وسط إصرار المدارس، لا سيّما الخاصة منها، على تحويل شهر الصيام أو جزء كبير منه إلى عطلة شبه رسمية.
ورغم القرارات التي تصدرها وزارة التربية والتعليم للحد من هذه الظاهرة، إلا أن ثقافة "عطلة رمضان" لا تزال متجذرة في بعض المدارس، وقد تطورت أساليب التحايل لتتجاوز الإجراءات الوزارية، وسط شكاوى من أولياء الأمور من تأثيراتها السلبية على أبنائهم، وانعكاسها على النظام التعليمي الذي يعاني أصلاً من مشاكل عدة.
وتعود جذور المشكلة إلى سنوات مضت، حين اعتادت المدارس الخاصة، ثم الحكومية لاحقاً، على منح الطلاب إجازة غير مبررة طوال أيام شهر الصيام، تحت ذرائع مختلفة منها مراعاة ظروف الأسر والتلاميذ، وأخرى تتعلق بالازدحام على الطرقات خلال رمضان. كما أن غالبية المدرّسين من النساء اللواتي لديهنّ التزامات أسرية، كما يقول المفتش التربوي أنور نقاصة، ويشير إلى أنه مع مرور الوقت، تحولت هذه الإجازة إلى عرف شبه رسمي.
ولا تدرج لوائح التعليم في ليبيا أي عطلات خلال العام الدراسي، باستثناء عطلة نصف السنة لمدة أسبوعين، لكن محاولات بعض المدارس فرض الإجازة الرمضانية، أو تقليص عدد ساعات الدوام الرسمي، دفعا وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية إلى إصدار مجموعة إجراءات بدأ تنفيذها العام الماضي، منها تهديد المدارس المخالفة بالعقوبات، ونقل موعد الامتحانات النصفية إلى شهر رمضان بدلاً من إجرائها بعده، لإجبار المدارس على فتح أبوابها خلال هذا الشهر.
ومضت الوزارة في تشديد إجراءاتها، وقرّرت تقليص عطلة نصف السنة من أسبوعين إلى أسبوع واحد، مع نقل الأسبوع الثاني إلى الأسبوع الأخير من رمضان، على أن تُجرى الامتحانات النصفية خلال الأسبوعين الأولين من الشهر، أما في الأسبوع الثالث، فيُقام "أسبوع ثقافي مفتوح" ليقتصر التعطيل على الأسبوع الأخير.
إلا أن بعض المدارس، لا سيّما الخاصة، وجدت طريقة للالتفاف على هذه الإجراءات، وعمدت إلى إجراء الامتحانات خلال أسبوع واحد فحسب، لتبدأ العطلة مع الأسبوع الثاني وتدمج مع الأسبوعَ الثقافي والأسبوع الأخير، وتصبح العطلة ثلاثة أسابيع بدلاً من أسبوع واحد.
ويصف نقاصة، في حديثه لـ "العربي الجديد"، هذا التحايل بـ "المناورات"، ويؤكد أن هذا السلوك لا يؤثر على انتظام العملية التعليمية فحسب، بل يضر بالتلاميذ مباشرةً، ويضيف أن المدارس المتحايلة تستعد لهذا الإجراء مسبقاً، وتعمل على "تسريع إعطاء الدروس المقرّرة لشهر رمضان من خلال دمجها مع دروس الأشهر السابقة، لتجنب مساءلة الوزارة حول عدم إكمال المنهاج نهاية العام الدراسي".
ويرى نقاصة أن هذا السلوك الذي تعتمده المدارس المتحايلة "يضرّ بالعملية التعليمية ويصبح المقرر عبارة عن حشو معلومات، ما يرهق التلميذ ويحد من استيعابه للدروس، كما أن إجراء الامتحانات في أسبوع واحد يعني أنها تُجرى على عجلة، وتبقى نتائجها موضع شك".
وفي وقت تبرر إدارات المدارس قرار التعطيل بالضغوط التي يمارسها أولياء الأمور لمنح أولادهم الراحة خلال شهر رمضان، يرفض منصور غومة، وهو والد تلميذ في إحدى المدارس الخاصة في طرابلس، التعطيل، مشيراً إلى أن "المبررات غير صحيحة، وقد عاش ابني ضغوطاً لأن المدرسة كانت تخطط منذ البداية لتجاوز قرارات الوزارة، وخصوصاً بعدما نقلت امتحانات نصف السنة إلى شهر رمضان".
ويعتبر غومة في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن المعلمات في المدارس هنّ أحد أسباب التعطيل خلال شهر رمضان، إذ يفضلن البقاء في المنازل بسبب زيادة الواجبات المنزلية خلال هذا الشهر، لكنه يستدرك أن بعض المعلمين الذكور يفضلون البقاء في البيوت أيضاً، ويضيف: "المشكلة أن مكاتب التعليم داخل البلديات تكاد تخلو من المسؤولين خلال الصيام".
من جهتها، تُحمّل المعلمة في إحدى المدارس الحكومية، إكرام الفاخري، المدارس الخاصة المسؤولية، مشيرة إلى أنها تدار من شخصيات لا ترى في التعليم سوى فرصة للتجارة وجني الأرباح. بالتالي، فإن التعطيل خلال شهر رمضان يوفر عليها دفع رواتب شهر كامل للمعلمين، تضيف أن هذه المدارس تخلق حججاً للتعطيل، مثل الحديث عن ضغوط أولياء الأمور أو الحديث عن التزامات المعلمات.
وترى الفاخري في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن "الإجراءات الوزارية يشوبها الخطأ والاستعجال"، لافتة إلى أن "قرار نقل الامتحانات النصفية إلى أول أسبوعين فيه جاء قبل حلول رمضان بوقت قصير، ما أربك الطالب وجعله يسابق الزمن لمراجعة دروسه والاستعداد للامتحانات"، وتطالب المؤسسات الأخرى بضرورة "المشاركة في محاربة ظاهرة التعطيل في رمضان، وعلى رأسها المساجد، لتوضيح معنى العبادة في رمضان".
