شهدت عدد من مقاطعات الصين خلال الأشهر الأخيرة، انتشار مدارس خاصّة تقدّم دورات تدريبية مسائية تستهدف الأمهات والآباء الذين يعانون صعوبات في التعلّم لتحويلهم إلى آباء أذكياء. تحمل هذه المدارس شعار "أصلح نفسك، وليس طفلك" وتستند في فكرتها على دراسات أكاديمية وبحثية تشير إلى أن مشكلة الاكتئاب بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، سببها الآباء وليس الأبناء.
وتقدم هذه المدارس مجموعة متنوعة من المواد، على سبيل المثال تُدرّس في أحد الفصول التي تحظى بشعبية كبيرة خاصة بين الآباء، كيفية جعل الأطفال يتعاونون من دون صراخ، وذلك عبر تجارب عملية ومواقف افتراضية، كأن يقضي طفل وقتاً طويلاً على هاتفه المحمول، ثم يبدأ التعامل معه وفق الخطة المحددة لإظهار التباين في محاولة تغيير السلوك باستخدام كلمات رقيقة بدلاً من اللغة المهينة.
وتتخلّل فصول الدراسة أنشطة ترفيهية، حيث يتم تقديم عرض تمثيلي يتضمن فقرة يتقمص فيها الآباء دور الأبناء، إلى جانب الغناء، والرسم، وهي أنشطة تم إدراجها لكسر رتابة التعليم وتحفيز الآباء بصورة أفضل. ويقول القائمون على هذه المدارس، عند العديد من الآباء، تُعدّ الدورات التدريبية تجربة عملية تفتح أعينهم على العالم الداخلي لأبنائهم، وتحدد طرائق التواصل معهم بحسب سلوكاتهم المختلفة وحالتهم المزاجية.
ومن ضمن الأنشطة العملية، وفي إطار الواجبات المنزلية، يُطلب من الآباء نشر ملاحظات ملونة في أماكن بارزة في جميع أنحاء المنزل (الجدران والنوافذ) لتشجيع أطفالهم، وتسليط الضوء على نقاط قوتهم. كما يتم إعطاؤهم قائمة بعشرات الجمل التحفيزية. إضافة إلى قائمة بالعبارات غير المقبولة التي يجب تجنب استخدامها في المحادثات مع الأبناء. ولفت هؤلاء إلى أن برامج المدارس الخاصة ساعدت أكثر من مائة ألف أسرة على التخلص من الارتباك في التعامل مع الأبناء. وأن هذه الدورات تفعّل فقط في دوام مسائي لمراعاة أوقات العمل، وعدم أخذ الآباء في الأوقات التي يفترض أن يكونوا بالقرب من أبنائهم.
لو يانغ، أحد الآباء الذين اجتازوا دورة تدريبية لمدة ستة أشهر في مدرسة خاصة لتدريب أولياء الأمور بمدينة شنغهاي، يقول لـ "العربي الجديد"، متحدثاً عن تجربته الخاصة، خلال العام الماضي واجهت مشكلات كثيرة في كيفية التعامل مع ابني الوحيد البالغ من العمر 12 سنة، كان سلوكه عدوانياً تجاه أمه وجدته التي تشرف على رعايته، وبعد معاناة طويلة نصحني صديق بأن أرسله في الإجازة الصيفية إلى مدرسة داخلية متخصصة في تقويم سلوك الأطفال والمراهقين، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن في كل نهاية أسبوع كان يعود إلى المنزل أكثر شراسة، كما أنه لم يكن يرغب في العودة إلى المدرسة.
ويضيف، في إحدى المرات قرأت إعلاناً عن مدرسة خاصة لتدريب الآباء بدوام مسائي، فالتحقت بها على الفور، ومنذ الأسبوع الأول لمست تحولاً كبيراً في شخصيتي، لم أعد ذاك الشخص سريع الانفعال، كم أني لاحظت أن صوتي بات أكثر هدوءاً، وهذا ساهم في إيجاد لغة مشتركة بيني وبين ابني، حيث كنت في السابق لا أطيق سماع شكاواه والإنصات إلى ذرائعه التافهة في تبرير رعونته وتصرفاته الخاطئة. ويتابع، بعد مراجعة ووقفة مع الذات، أدركت أني كنت جزءاً من المشكلة، فقد واجهت مشكلات في عملي السابق، وكانت ضغوط العمل تنعكس على علاقتي بالأسرة، والوقت الذي أقضيه معهم بمن فيهم ابني، واكتشفت أن مخاوفي بشأن مستقبله نابعة من مخاوف شخصية. لذلك قلت، ربما يجب أن أجري بعض التغييرات على نفسي أيضاً، وكان الفضل في ذلك للدورة التدريبية التي مكنتني من الوقوف على أساس المشكلة والعمل على معالجتها.
من جهته، يقول تشون جين، لـ"العربي الجديد"، وهو أحد الآباء الذين خضعوا لدورة تدريبية في مدينة شينزن جنوب البلاد، من خلال التدريب تمكنت من معرفة كيفية التواصل مع ابني وضبط سلوكه، على سبيل المثال، في البداية، وفي كل مرة كان يتجاوز فيها الوقت المحدد للعب بهاتفه المحمول، كنت أتعامل بلطف وأذكّره باتفاق داخلي بيننا بمدة استخدام الهاتف. ومع ذلك، لم يكن يستجيب، وكنت أواجه صعوبة في ثنيه عن ذلك، لأنني لم أكن أرغب في الصدام معه. ولكن أثناء الدورة، اطلعت على أساليب أخرى مجدية، مثل استخدام عبارات قاطعة مع تغيير ملامح الوجه وإبداء الجدية الصارمة في توجيه الأمر، وقد لاقى ذلك تجاوباً آنياً؛ لأن الكلمات التشجيعية والوجه اللطيف في توجيه أوامر النهي، يراها الأبناء باعتبارها موافقة على السلوك وتمنحهم المزيد من النفوذ والمراوغة. وقد كانت الخلاصة في هذا الأمر أن الأوامر غير المحددة بالقواعد لا تجدي نفعاً ولا تلقى آذانياً مُصغية، لذلك ينبغي ألا نكون متساهلين أكثر من اللازم مع أبنائنا.
في تعليقها على ذلك، تقول شيه فانغ الاجتماعية الباحثة، لـ "العربي الجديد"، إن قلق الآباء بشأن أبنائهم يكون في أغلبه توتراً شخصياً. فمع تراجع معدلات الاقتصاد في السنوات الأخيرة، قامت العديد من الشركات بتسريح الموظفين، وتم تخفيض رواتبهم، مما خلق حالة من عدم اليقين، إذ حاول أولياء الأمور إطفاء حرائقهم الخاصة وتفريغ طاقتهم السلبية في وجه أبنائهم، فأصبحوا أكثر حدة معهم، يراقبون باستمرار كل شيء صغير يتعلق بسلوكهم في المنزل، وهذا سبّب خلق أجواء أسرية مشحونة، كان الأطفال فيها ضحايا ضغوط العمل والتوتر النفسي الناتج عن صعوبات المعيشة والوظيفة.
