منذ ظهوره عام 2016، أصبح Stranger Things (أشياء غريبة) أحد أكثر المسلسلات تأثيراً في العقد الأخير، بفضل مزجه الماهر بين عناصر الخيال العلمي والرعب والدراما العائلية، مع إحياء روح الثمانينيات عبر إشارات ثقافية عميقة. المسلسل من تأليف الأخوان مات وروس دافر، وأنتجته "نتفليكس"، ليحقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. عبر أربعة مواسم (مع خامس مقبل في 2025)، استكشف المسلسل بلدة هوكينز وصراعاتها مع البعد الموازي (آبسايد داون)، مركزاً على شخصيات مثل إيلفن ومايك وهوبر، مع إعادة تعريف الرعب النوستالجي عبر تأثيرات ستيفن سبيلبرغ وستيفن كينغ.
المسرحية Stranger Things: The First Shadow التي انطلقت عروضها عام 2023 هي امتداد لهذا العالم، لكنها تقدم قصة جديدة، وهي أصول وجذور هنري كريل/فيكنا، الشرير الرئيسي في الموسم الرابع.
وصدر أخيراً الوثائقي Behind the Curtain: Stranger Things: The First Shadow ليُظهر الجهد الهائل لتحويل هذه القصة إلى عرض مسرحي في ويست إند لندن، ثم برودواي، مع تحديات فريدة في نقل السحر المرئي للمسلسل إلى خشبة المسرح. الوثائقي يحاول تجسيد هذه المعجزة عبر عدسة سينمائية تشبه Black Swan في تصويرها لهوس الفن، وفيلم Birdman في عبوره الحدود بين الواقع والخيال. هنا، نرى صناعة عرض مسرحي تحول إلى معركة إبداعية بين التكنولوجيا والقيود المادية والجنون البشري الذي يدفع الفن إلى أقصى حدوده.
جون هالبرين، مخرج الوثائقي، يتتبع بكاميرته رحلة إنتاج المسرحية على مدى سبعة أشهر، بدءاً من ورش العمل وصولاً إلى الافتتاح. نتابع معه التحديات التقنية، وكيف تمت معالجة المؤثرات الخاصة مثل ظهور الديموغورغن وفيكنا عبر تقنيات مسرحية مبتكرة، كالدمى الميكانيكية والإسقاطات الضوئية. وأيضاً، الصراعات الإبداعية لكاتبة المسلسل، كايت تريفري، وهي تكافح لموازنة متطلبات "نتفليكس" والأخوين دافر، خاصة بعد طلبهم حذف مشاهد تحتوي على إفشاءات للموسم الخامس.
كيف تُظهر انفجاراً من البعد الموازي أو تحولاً وحشياً من دون الاعتماد على المونتاج؟ الوثائقي يجيب بالدمى الميكانيكية، مثل سالخ العقول "فيكنا" الذي صممه جايمي هاريسون (مصمم مؤثرات سلسلة هاري بوتر) باستخدام تقنيات الأنيماترونكس الحديثة، إذ تتحرك الأطراف كأنها تسحب الضحية إلى عالم آخر. لم يتناسَ طاقم العمل الخدع المسرحية القديمة، مثل الدماء المخفية في أنابيب صغيرة مزروعة في ملابس الممثل لوي مكارتن، مع ضوابط دقيقة لتوقيت التدفق. وكانت توصية هاريسون تتردد في العمل دائماً: "المسرح ليس سينما... إذا فشلت الخدعة الليلة، لا يوجد Cut! الجمهور سيراك تُصلحها أمامه".
يعتمد الوثائقي على متابعة طاقم التمثيل، فبين التلفزيون والمسرح فروقات كبيرة، فمعركة التعب والتركيز تأتي دفعة واحدة على المسرح ولا يمكن تقسيمها إلى لقطات تُعاد في الاستديو إلى أن يصل المخرج إلى ما يريد. أداء ثمانية عروض أسبوعياً يتطلب قدرة تحمل جسدية غير معتادة في التلفزيون أو السينما. بعضهم كان ينهار من الإرهاق بعد مشاهد الصراخ أو التصعيد الدرامي والعاطفي. صرخة جماعية من الجمهور خلال مشهد رعب جعلت الممثلين يتجمدون لثانية قبل المتابعة، وهو ما لا يحدث في التلفزيون حيث الجمهور غير مرئي، وكانت البروفات الجنونية تمتد لـ48 ساعة متواصلة قبل الافتتاح.
لا يخلو العمل من الانتقادات، فبعض المشاهدين رأوا أن المسرحية تفتقد عمق المسلسل، مع تركيز مبالغ فيه على المؤثرات على حساب السرد. لكنه قدم نظرة صادقة عن صناعة المسرح، وتأمل في حدود الفن. نجاح The First Shadow يثبت أن أفراد الجمهور يتوقون إلى الخيال والرعب الملموس، إذ يرون الدماء الحقيقية تتدفق، ويسمعون أنفاس الممثلين ترتجف، ويشعرون أن الخطر قريب جداً.
