هل ثمّة صراع بين إيران وتركيا؟

منذ ٥ ساعات ١٤

ليس ثمّة ما هو أسوأ لإيران من أن تجد نفسها وإسرائيل في الموجة نفسها في الشأن السوري. وهو كاشفٌ وفاضح، فبينما تسعى تلّ أبيب جهراً إلى استغلال المرحلة الانتقالية في سورية، يبدو أن طهران منشغلة بالأمر نفسه، وهو العودة بأيّ ثمن إلى ما كانت عليه قبل فرار المخلوع، وإذا تعذّر الأمر فلا بأس من التخريب، وهو كثيرٌ (للأسف!)، رغم أنه لا يعود عليها بنتائج حقيقية لحسن الحظّ.

على إيران أن تُسلّم أن نفوذها العابر للحدود ضُرِب في مقتل بفرار الأسد واغتيال حسن نصر الله، وأن عليها أن تُعنى بشؤونها، خاصّة أن النار تقترب منها هذه المرّة، بعد عقود من أحزمة الصدّ التي أنشأتها في بلاد المشرق العربي واليمن، وأن تعرف أن علاقاتٍ ندّيةً ما أمكن مع "مستعمراتها" القديمة (والوصف على تطرّفٍ وسخرية)، أفضل لها وللمنطقة، وأن التغيّرات العاصفة والمفاجئة في جوارها قد تتركها في عزلةٍ خانقةٍ كلّما سعت إلى التخريب أو استعادة دور انتهت شروطه وأسبابه.

لم يخطئ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تشخيصه وضع إيران في المنطقة، في حواره مع قناة الجزيرة، فالسياسة التي تعتمد على فصائل مسلّحة (في دول الجوار) خطيرة، ومن شأنها الانقلاب ضدّك، وإذا كنتَ تحاول إثارة التوتّر في دولة ثالثة، فإن دولة أخرى تستطيع إزعاجك داخل حدودك بدعم جماعات ضدّك في بلادك.

ومعلومٌ أن تصريحات الوزير التركي لم تكن عفو الخاطر، بل تعني كثيراً في وقتٍ بدأت فيه بلاده بملء الفراغ الذي نشأ بخروج إيران من سورية، وتلك من طبيعة معادلات القوة والنفوذ في العالم، وإيران ليست استثناءً هنا، خاصّة أن تدخلها تسبّب في تمزيق مجتمعات المنطقة وتطييفها، وإعادتها إلى القرون الوسطى، فطهران ليست قوةً حداثيةً، ولم تنقل لهذه المجتمعات إرثاً في الموسيقى والفلسفة والآداب والأزياء عندما تغلغلت فيها، بل سرطنتها بمفاهيم محض طائفية ولا تنتمي إلى العصر، ولا حتى إلى القرن التاسع عشر.

ولم تفعل هذا وحسب، بل حوّلت هذه المجتمعات دروعاً بشرية لها، تحارب بها وبنخبها، وعندما يحين وقتُ المذبحة تنأى بنفسها. وما حدث مع حزب الله كان درساً لمن يريد أن يتعلّم، ففي اللحظة الحاسمة جرى فصل مسارات الصراع فتُرك الحزب يواجه وحدَه حرب إسرائيل عليه، بينما تفرّغ مسعود بزشكيان للتودّد إلى الولايات المتحدة.

... هل ثمّة صراع في الأفق بين إيران، التي تنسحب من المشهد، وتركيا التي بدأت تتصدّره؟ ... الصراع لم يغب يوماً حتى نُفاجأ به، فإيران عملياً دخلت منذ الثمانينيّات في خطّ نفوذ الأتراك ومجالهم الحيوي في المنطقة، فالتداخل الإثني والديني التركي أكبر من الإيراني، وإرثُه ممتدٌّ إلى الدولة العثمانية، مقارنةً بطهران التي اكتشفت أن الطائفة حصان طروادة لاختراق المنطقة، وهو ما تيسّر لها لهشاشة دول المنطقة وغياب إجماعاتها الوطنية، لا لعبقرية المؤسّسة الإيرانية.

لا يعني هذا في حال ترحيباً بمستعمرٍ جديد، وأنقرة أكثر ذكاءً من تسويق نفسها على هذا النحو، بل مقارنةً بين دولةٍ تلعب دوراً في مجال حيوي لها، وأخرى أوجدت مجالها وأقحمته في المعادلات، وكان أن انهار بين ليلةٍ وضحاها بغياب أدواتها أو ضعف هذه الأدوات. وكان عليها أن تعترف بخساراتها وتنسحب وتُعنى بشؤونها، لكنّ من شأن إنكارها الوقائع الجديدة إضعافها أكثر، وقطع الطريق عليها لإنشاء علاقات جديدة وصحية مع دول المنطقة، تكون فيه جاراً طيّباً يصدّر الكافيار (إذا شاء) إلى هذه الدول، ويقيم أسابيع سينمائية في عواصمها.

في ردود بعض المسؤولين الإيرانيين على تركيا، ثمّة من يذهب إلى أنها (تركيا) تتعامى عن الأيادي الأميركية والإسرائيلية السرّية والخفية في تطوّرات المنطقة، وهو ما قاله المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية في "إكس"، لكنّه أغفل أن بلاده ترغب بمصافحة الأيادي الأميركية لا غيرها، وذلك ما فعلته عندما تخلّت عن حزب الله، حليفها وأداتها الرئيسة في المنطقة، وهو يُدَّك ويُباد، مراهنةً على أن دور العاقل الذي يكبح صبيان الحي قد يجلب لها المنافع، فما حمت حليفها ولا كسبت رضا الأميركيين، الذين كلما تنازلتَ لهم طالبوك بما هو أكثر، وأن إضعاف العهد الجديد في سورية، واللعب على تناقضات المكوّنات المجتمعية، يجمعها مع إسرائيل أكثر من تركيا، ويجعلهما في صفّ واحد، وإن اختلفت الدوافع.

قراءة المقال بالكامل