القلق على الوظائف من أن تسرقها تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة يتعاظم يوماً بعد آخر، إلى أن أصبح معها مصطلح "الخوف من أن تصبح قديماً" أو اختصاراً "فوبو" (FOBO) يشكّل كابوساً للملايين الذين يراقبون كيف يغزو الذكاء الاصطناعي بلا هوادة مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية على السواء. لكن مع ذلك، ثمة نصائح ذهبية يمكن أن تحمي الموظفين إذا ساروا بها، مع أنّها لا تشكّل ضمانة مطلقة بطبيعة الحال، وفقاً لما كتب كريس براينت في بلومبيرغ قبل أيام، علماً أن الرجل يغطي حالياً الشركات الصناعية في أوروبا، وقد عمل سابقاً في صحيفة "فايننشال تايمز".
ومن هذا المنطلق، يعتقد الكاتب أن من المنطقي أن يكون لدى الموظف خطة احتياطية تقيه البطالة والعوز مستقبلاً في أي لحظة تتخلى عنه الشركة، وذلك من خلال 3 نصائح.
1 - النصيحة الأولى في هذا الاتجاه هي التعرّف على أدوات الذكاء الاصطناعي وإتقان استخدامها، بما يؤمل منه أن يجعل الموظف أكثر إنتاجية ويسمح له بأداء عمل أكثر تأثيراً. والقيام بذلك سيعطيه أيضاً فكرة أفضل عما إذا كانت وظيفته في خطر، مع توفير بعض الحماية من أن يكون من أوائل من يتم تسريحهم. ومع ذلك، لن ينجح الجميع في أن يصبح مديراً للذكاء الاصطناعي، ولذا عليه أن يستمر في بناء شبكة علاقاته على "لينكد إن" (LinkedIn) وغيرها من المنصات المتخصصة في حال احتاج إلى قارب نجاة وظيفي.
أما الأشخاص الذين لم ينضموا بعد إلى سوق العمل أو يوجّهون أطفالهم للانضمام، فيواجهون خيارات صعبة. وفي هذا الصدد، بدا رئيس "إنفيديا" (Nvidia) جنسن هوانغ أقل اقتناعاً العام الماضي، بفوائد تعلم البرمجة لأنه قريباً سيتمكن الجميع من البرمجة باستخدام اللغة الطبيعية، بحسب بلومبيرغ، ومع ذلك، ثمة ميل إلى الاتفاق مع مؤسس "مايكروسوفت" (Microsoft Corp) بيل غيتس على أن تعلم الأساسيات لا يزال أمراً مهماً. وإذا بدأت روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي تهيمن على جميع الأعمال الروتينية في الخدمات المصرفية الاستثمارية أو الاستشارات الإدارية، فقد يصبح أكثر صعوبة الحصول على تدريب مرغوب فيه أو إيجاد مكان في برامج الخريجين.
2 - النصيحة الثانية أنه يجب على الآخرين الأكثر تقدماً في حياتهم المهنية أن يفكروا في ما إذا كانت لديهم مهارات تفتح أبواباً لوظيفة أو فرصة ريادية أقل عرضة للاضطراب بسبب الذكاء الاصطناعي. وبكلام آخر، فإن الوقت قد حان لتحسين مهاراتك الجانبية. وفي حين يجد الكثيرون صعوبة في تخيّل أنفسهم يعملون في مجال آخر غير الذي ينشطون فيه منذ سنوات، إلا أنهم قد يضطرون لتغيير طبيعة مهنتهم في نهاية المطاف.
3 - بما أن الذكاء الاصطناعي يبدو أكثر لطفاً بأصحاب رأس المال منه بالعمال، بحسب بلومبيرغ، فإن نصيحة ثالثة معقولة تكمن في الحصول على المزيد من الأصول. وتوفر بعض الصناديق الاستثمارية مساهمات في الشركات التي ستستفيد من الذكاء الاصطناعي والمكاسب الإنتاجية المرتبطة به، إضافة إلى حماية من التسريح رغم أن التقييم المرتفع لبعض الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي يشير إلى أن الكثيرين قد تبنوا هذه الفكرة فعلاً.
وتقدر مجموعة "أي بي بي آر" (IPPR) البحثية أن العمل المعرفي يمثل حوالي نصف نشاط سوق العمل في المملكة المتحدة، وما يصل إلى 70% من هذه المهام يمكن أن تتحول بشكل كبير أو يتم استبدالها بالذكاء الاصطناعي التوليدي. ووفقاً لتحليل حديث من "موديز أناليتيكس" (Moody’s Analytics)، فإن من يكسبون أكثر من 250 ألف دولار سنوياً يساهمون بحوالي نصف الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة. والسؤال الكبير هنا: ماذا لو استُبدل الملايين من أصحاب الدخل المرتفع بالخوارزميات؟
وفي هذا السياق، يقول الشريك المؤسس لـ"أوبن آل" (OpenAI) سام ألتمان إن وكيل هندسة البرمجيات سيصبح قادراً على القيام بمعظم الأشياء التي يمكن لمهندس بشري ذي خبرة عدة سنوات القيام بها، وإن كان ذلك تحت إشراف أحدهم. كما يقول رئيس "ميتا" (Meta Platforms Inc) مارك زوكربيرغ إن الزملاء الافتراضيين سيكون لديهم قدرات الترميز وحل المشكلات لمهندس متوسط المستوى بحلول عام 2025.
وفي حين أن الذكاء الاصطناعي سيُعزز الأدوار الحالية ويخلق وظائف جديدة تماماً، يعتقد كاتب التقرير في بلومبيرغ أن فقدان الكثير من الوظائف أمر لا مفر منه. وهناك بالفعل حديث عن ركود في وظائف الياقات البيضاء حيث يجد خريجو برامج ماجستير إدارة الأعمال العليا صعوبة في العثور على عمل، وتجف عمولات المترجمين، وتتوقف رواتب المستشارين المبتدئين عن النمو، وتزداد تسريحات العمالة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وفي هذا الاتجاه، أعلنت شركة "سايلز فورس" (Salesforce Inc) أنها لن توظف أي مهندسي برمجيات هذا العام بفضل التقدم في الإنتاجية من أدوات الذكاء الاصطناعي، بينما ستطلب "إنفيديا" قريباً من جميع مهندسي البرمجيات لديها استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي، وأكثر من ربع الكود الجديد في "غوغل" (Google) التابعة لـ"ألفابيت" (Alphabet Inc) والذي هو قيد الإنشاء الآن بواسطة الذكاء الاصطناعي.
وفي القطاع المصرفي، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضع مسودة جميع محتويات نشرة الاكتتاب العام في دقائق، وفقاً لما نقلت بلومبيرغ عن الرئيس التنفيذي لـ"غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group Inc) ديفيد سولومون، علماً أنه في السابق، كان فريق مكون من ستة أشخاص يحتاج إلى أسبوعين لإنتاجها. وخلال الشهر الماضي، كشف بنك "دي بي إس" (DBS Group Holdings Ltd) في سنغافورة أنه سيقلص نحو 4000 من العاملين المتعاقدين والمؤقتين خلال السنوات الثلاث القادمة، ليتولى الذكاء الاصطناعي أدوارهم، علماً أن نماذج الذكاء الاصطناعي الأخيرة قادرة على التفكير بمستوى دكتوراه.
