ذهب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال اليومين الماضيين، بعيداً مجدداً، في اختبار الحدود القصوى لإمكانية استغلاله صلاحياته التنفيذية التي لطالما ردّد العام الماضي أنه يريدها كاملة وبلا منافس. وحتى لو كان حديثه، منذ مساء الأحد، عن عزمه الانقلاب على قرارات عفو أصدرها سلفه جو بايدن، مجرد ثرثرة فارغة تماماً كوصفه هذه القرارات، إلا أن إثارة المسألة تُثبت عزمه استكمال انقلابه ومحاولة الانتقام من كل رموز التحقيقات التي لاحقته طوال السنوات الأربع الماضية، بعدما راودت الديمقراطيين نشوة إزاحته عن المشهد، والتي بدت زائفة. وأثار ترامب الجدل مجدداً، أول من أمس، بإعلانه أن قرارات عفو بايدن التي منحها الأخير لعدد من المسؤولين والموظفين الحكوميين "باطلة"، مدعياً دون تقديم أدلة أن الرئيس السابق وقّع على قرارات العفو بواسطة "قلم آلي" (autopen)، وهو جهاز آلي مزود بقلم، يُعيد إنتاج توقيع لشخص ما سُجّل مسبقاً.
عفو بايدن
وكان بايدن، قبل ساعات من تسليم السلطة إلى خلفه في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، قد منح العفو لعدد من المسؤولين والموظفين لحمايتهم من "ملاحقات قضائية غير مبرّرة ومدفوعة سياسياً"، كما أنه كان قبل ذلك، في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، قد منح العفو لابنه هانتر، الذي كان ملاحقاً قضائياً بتهم جرمية، منها التهرّب الضريبي. وسهّل عفو بايدن المهمة على ترامب لاحقاً، حين عفا في يناير عن مئات المدانين بأحداث اقتحام أنصاره مقر الكونغرس في 6 يناير 2021، لفرض عدم المصادقة حينها على فوز بايدن بالرئاسة. ولدى توقيعه على العفو، وعلى قرارات تنفيذية أخرى، كان ترامب قد تعمّد الظهور في مكتبه البيضاوي، وهو يوقع بالقلم. ويوم الجمعة الماضي، شدّد من داخل وزارة العدل على أنه يوقع قراراته بنفسه، مضيفاً أنه "لا يمكنكم استخدام قلم آلي، إنها القاعدة"، ما يعني ربما تمهيده للإعلان عن انقلابه على قرارات عفو بايدن، وربما الذهاب في هذا السجال إلى المحاكم أو المحكمة العليا.
وكان بايدن قد منح العفو مع اختتام ولايته لرئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الجنرال مارك ميلي، والطبيب الذي نسق استراتيجية الإدارة الأميركية في مكافحة كورونا، أنتوني فاوتشي، ونواب شاركوا في لجنة التحقيق بالكونغرس المتعلقة باقتحام الكابيتول. وتألفت هذه اللجنة من تسعة نواب، وقد شُكّلت في يوليو/ تموز 2021، واختارت رئيسة المجلس آنذاك نانسي بيلوسي أعضاءها، وهم سبعة ديمقراطيين، ونائبان جمهوريان، هما آدم كيسينغر وليز تشيني، برئاسة الديمقراطي بيني تومسون. وكان الجمهوريون قد عرقلوا في مجلس الشيوخ ذلك العام تشكيل "لجنة وطنية" للتحقيق بالاقتحام، على غرار لجنة التحقيق بأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وليز تشيني، الجمهورية الكارهة لترامب، كانت قد خسرت الانتخابات النصفية لتجديد مقعدها في 2022 بولاية وايومنغ، لصالح مرشحة دعمها ترامب. كما أن آدم كيسينغر، الجمهوري الآخر في اللجنة التي حلّت نفسها في يناير 2023، لم يترشح في الانتخابات النصفية الماضية.
وكتب ترامب على "تروث سوشال" أن قرارات العفو "التي منحها جو بايدن النائم للجنة غير المنتخبة من البلطجية السياسية ولآخرين كثر، تُعد بموجب هذا النصّ باطلة ولاغية ومن دون أي تأثير"، لأنها وقعت بـ"قلم أوتوماتيكي". وليس واضحاً على الفور ما إذا كان بايدن قد استخدم بالفعل قلماً آلياً لتوقيع هذه القرارات. كذلك نشر ترامب أول من أمس مقطع فيديو، قائلاً "يبدو أنه كان هناك قلم آلي للرئيس... هل كان يعلم ماذا كان يفعل؟ هل أذن به؟"، متهماً بايدن بأنه لم يعلم بأمر التوقيع على قرارات العفو الخاصة بأعضاء اللجنة الخاصة بالتحقيق بالاقتحام، موحياً بأن هناك من وقّعها نيابة عن الرئيس السابق، بل من دون علمه، في إشارة إلى أعضاء اللجنة الذين قال إنهم "خاضعون للتحقيق على أعلى المستويات". وكان ترامب قد انتقد يوم تنصيبه أوامر العفو الممنوحة لأشخاص "مذنبين للغاية بارتكاب جرائم خطيرة جداً"، دون تسميتهم.
لمّح ترامب إلى أن بايدن لم يكن يعلم حتى بقرارات العفو
سابقة بالتاريخ
ولا يملك ترامب لوحده، وفقاً للدستور الأميركي، سلطة إبطال قرارات عفو بايدن أو قرارات عفو أصدرها أي رئيس سبقه، ولم يتخذ أي رئيس أميركي على مدى تاريخ الولايات المتحدة قراراً بإلغاء عفو رئاسي نُفّذ بالفعل. ولم يعلن ترامب أو البيت الأبيض، حتى عصر أمس الثلاثاء، عن خطوات عملية لإلغاء قرارات عفو بايدن المستهدفة، رغم الجدل الذي أثاره الموضوع. ولدى سؤال صحافي المتحدثة باسم البيت، كارولين ليفيت، الاثنين، عمّا إذا كان ترامب يملك أدلة على أن بايدن لم يوقع أو لم يكن يعلم بالتوقيع، ردّت بـ"أنت الصحافي، وعليك أنت أن تعلم".
وبحسب ما يلمّح إليه ترامب، فإن بايدن لم يوقع على قرارات العفو الخاصة بأعضاء اللجنة، وبالتالي فإن للمدعين العامين الحق في ملاحقتهم، ويعتقد الرئيس بحسب ادعائه أن بايدن استخدم أداة التوقيع الإلكتروني لتوقيع بعض قرارات العفو، وأن الوثائق لهذا السبب غير سارية، وأن بايدن ربما لم يكن على دراية ببعضها، لمعاناته من تدهور عقلي، وفق زعم ترامب.
إلى ذلك، ردّ النائب الجمهوري آدم كيسينجر على ترامب الذي توعد بإبطال عفو أصدره سلفه بايدن عنه. وكتب الأخير على "إكس"، أول من أمس الاثنين، عن ترامب: "إنه مهووس بي وبالنائبة السابقة ليز تشيني أكثر من هوسه بالنقاط التي يجمعها من لعبة الغولف المرعبة التي يلعبها". وأضاف: "ترامب، أكمل تهديدات، أنت أيها الرجل الضعيف والمتذمر". كذلك كتب النائب آدم شيف المستهدف أيضاً: "تهديداتك لن تخيفنا".
