سوريو المهجر ليسوا جبناء

منذ ١ أسبوع ١٥

لاحت آمال عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم منذ سقوط النظام وهروب بشار الأسد، لتستعيد سورية أهم رساميلها المهاجرة ويزيد التعويل على ما اكتسبه السوريون ببلدان تشتيتهم من علم وخبرة وجمع أموال، إنْ بتسيير عجلة الإنتاج والخدمات أو المساهمة بإعادة الإعمار المأمولة. بيد أن أحداثاً شتى حدثت، وبعضها على جدول توقعات الحدوث، أبطأت عودة السوريين المهاجرين وزادت تردد البعض بالعودة، إن لم نقل ألغوها، على الأقل حتى يتضح خيط الأمن والأمان الأبيض من خيط العنف والفقر والعقوبات المتوقعة الأسود. 

ولعلّ ما حدث بالأيام الأخيرة في مدن الساحل السوري (طرطوس، اللاذقية وجبلة)، من دون الخوض بتفاصيله وتوزيع المسؤوليات حوله، زاد وبشكل بالغ تردد السوريين بالعودة طالما فتائل الانفجار ما زالت عرضة لأي شرارة تشعلها دول الجوار المتأذية من سورية الدولة لا المزرعة، ومستنقع العنف لا يزال مفتوحاً وعميقاً بواقع تفشي السلاح ورفض فصائل ومدن تسليمه للدولة والانضمام إلى مؤسساتها. 

قصارى القول: لم يبلغ ما أعلنته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أخيراً عن عودة 300 ألف لاجئ سوري إلى ديارهم منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الفائت، الحد الأدنى من أكثر التوقعات تشاؤماً، طالما أننا نحكي عن أكبر أزمة نزوح في العالم وهجرة أكثر من سبعة ملايين سوري، من المفترض أنهم يتوقون للعودة بمجرد سقوط النظام ونيل سورية والسوريين حريتهم. 

وهنا لا نأتي على النازحين داخل الأراضي السورية (المخيمات)، والذين ينوفون عن مليون سوري، فهؤلاء، وأغلب الظن لا مأوى لهم ولا دخل بعدما هدمت عصابات الأسد بيوتهم وسرقت ممتلكاتهم. والأرجح أنهم لا يتوانون عن العودة، ولو إلى خيمة تشاد على أرضهم، كما فعل كثيرون ورأينا. ربما، أو لا شك أن ثمة عوامل كثيرة تدخل وتتدخل بقلة العائدين لسورية، منها سوء الخدمات وقلة فرص العمل ومحدودية الدخل بواقع غلاء الأسعار وارتفاع الإنفاق، أو ما يندرج ضمن الظروف العائلية، كارتباط أولاد المهاجرين بالمدارس أو انتظار تصفية الممتلكات أو حتى الأمل بالحصول على إقامات دائمة أو جنسيات بلدان اللجوء. 

بيد أن كل تلك الأسباب مجتمعة لا تقارن البتة بعامل الأمان واستمرار الخوف على الحياة، فالسوريون جميعهم ينفخون على اللبن بعدما كوتهم نيران حليب الحروب وذاقوا جميع أنواع التنكيل خلال ثورتهم على نظام الأسد المخلوع. وهنا، لا يمكن نعت أي سوري متردد بالعودة لوطنه بالجبان أو المتلكئ بالمساهمة بإعمار سورية وتقديم ما بوسعه لوطن تعب ومريض لشدة ما عانى على مدى 14 سنة.  

كما لا يصح وسم الرساميل، والتي لم تعد رغم ما يقال عن مئة مليار دولار استثمارات سوريين حول العالم، بالجبن أيضاً، إذ من حق صاحب المال أن تتوفر له شروط العودة، والتي بمقدمتها الأمن وسيادة القانون، فضلاً عن المناخ الجاذب من توفر مستلزمات الإنتاج والعمالة وسوق لتصريف الإنتاج. 

نهاية القول: على تشعب وتعدد مستويات الأزمة السورية، حتى بعد الحرية وسقوط نظام الاستبداد، إلا أن قاسماً مشتركاً بين جميع تلك المستويات ويربط ما بينها بخيط سري، هو بمباشرة ودونما مواربة، القرار الدولي بإعادة الحياة لسورية والسوريين.. وهذا القرار، ليس لم يتخذ بعد، بل ثمة أعاقة لمن يسعى لبث ولو إكسير ضئيل ليبقى سوريو الداخل على قيد الحياة، بواقع فقر لا تزال نسبته تزيد عن 90%، والمهجرون على قيد الأمل بالعودة. 

ولنسق مثالاً واضحاً، عدا استمرار العقوبات رغم زوال سببها ومسببها، وهو التلكؤ بأي مساعدة مباشرة وتراجع حتى عن الوعود التي قطعت من الأشقاء ودول الجوار، ربما بتلويح أو بوعيد من الدول الراعية لقرار عدم عودة سورية للحياة. إذ ورغم الكرم الحاتمي النظري الذي سمعناه خلال الأيام الأولى من سقوط النظام، لم ير السوريون شيئاً على الأرض سوى اللهم بعض الخبرات والمساعدات الفنية أو المالية جد المحدودة، والتي يمكن قراءتها تأسيساً لمصالح أكثر ما يفهم منها ضخ الدم بعروق سورية أو مساعدة السوريين. 

كما وما نظنه الأخطر، بالتزامن مع الأحداث الدامية بمدن الساحل السوري، أن ملامح إعاقة الدولة السورية دخلت بأطوار التلويح بعقوبات وإنذار بتدخل وتهديد باحتلال، بدل أن نرى مساعي ومساعدات الدولة السورية لحصر السلاح بيد الجيش وقطع الطريق على فلول الأسد دعاة التقسيم... وهذا التلويح والوعيد بالتدخل وإعادة إشعال سورية يزيد طين تردد المهاجرين بلّة أخرى ويعيد الضبابية كمشهد مستقبلي حتمي على سورية والسوريين.

قراءة المقال بالكامل