شكوك بنية إسرائيل الوصول للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة

منذ ١ شهر ٤٨

تتعامل أوساط إسرائيلية عدة مع المرحلة الأولى من صفقة وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين، على أنها أمر مسلّم به، رغم أنها لم تخرج إلى حيّز التنفيذ بعد، فيما المخاوف بالأساس من عدم تنفيذ المرحلة الثانية منها من قبل دولة الاحتلال، وهو ما أعربت عنه عائلات محتجزين إسرائيليين في غزة، التقت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمس الاثنين.

وشكك معلقون إسرائيليون في نية حكومة الاحتلال الوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. على ما يبدو، فإن الأمور غير واضحة من جانب جيش الاحتلال أيضاً وقواته الموجودة في قطاع غزة، وسط تقارير إسرائيلية متضاربة حول احتمالية انسحابه وعودته للقتال لاحقاً.

وعلى وقع استمرار المفاوضات، اليوم الأربعاء، زعم مسؤول سياسي إسرائيلي أن "حماس تثير ادعاءً كاذباً بأن إسرائيل أضافت شروطاً جديدة في المفاوضات للتهرب من تنفيذ الصفقة". وجاء ذلك رداً على ما ورد في "العربي الجديد"، على لسان مصدر قيادي في المقاومة الفلسطينية، قال: "إن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول تفخيخ الاتفاق وعرقلته في اللحظات الأخيرة، عبر طلبه إضافة أسرى من فئة العسكريين إلى قائمة الأسرى الـ33 الذين سيتم إطلاق سراحهم خلال المرحلة الأولى. مع العلم أن هذه الفئة من المقرر إطلاق سراح الأسرى المصنفين ضمنها في المراحل التالية، كشرط لإطلاق الاحتلال ألف أسير خلال المرحلة الأولى".

وبمعزل عن هذه التصريحات العينية، كان واضحاً على طول الطريق منذ الصفقة الماضية والوحيدة في الحرب الحالية، التي أُبرمت في نوفمبر/ تشرين الأول 2023، أن نتنياهو وحكومته يعيقان التوصل إلى صفقة، وهو ما أشار إليه العديد من التقارير الإسرائيلية، أما من بقيت لديه شكوك حول المتهم الحقيقي في إفشال المفاوضات فلا بد أنها تبددت، بعد تفاخر وزير الأمن القومي الاسرائيلي إيتمار بن غفير أمس وكذلك اليوم الأربعاء، بأن حزبه منع غير مرة التوصّل إلى صفقة، وهو ما أثار غضب مكتب نتنياهو، ذلك أن أقوال بن غفير قدّمت دليلاً آخر على ما حاول نتنياهو نفيه دائماً بأن حكومته هي من تعطّل الصفقة، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين.

مع هذا، سيكون من الصعب على الأرجح، عدم إبرام صفقة في هذه المرة وتنفيذ المرحلة الأولى منها على الأقل، ولو كان ذلك من باب إرضاء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي لديه حساباته ويضغط على إسرائيل. في المقابل، ستبقى علامات الاستفهام تحوم حول المرحلة الثانية.

ورأى المعلق لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس" تسفي بارئيل، اليوم، أنه "لو كانت الحكومة جادة في نيتها إتمام صفقة وقف إطلاق النار في غزة بالكامل، وإطلاق سراح جميع المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين) حتى آخر واحد منهم، ومنع المزيد من الوفيات بين الجنود ودفع ثمنها (أي الصفقة)، فلماذا لم توافق على توقيع صفقة شاملة واحدة، في دفعة واحدة، دون تقسيمها إلى مراحل، عندما يكون من الواضح أن نتيجتها ستكون مساوية لنتيجة صفقة المرحلتين؟ لماذا لا يتم إنقاذ حياة المختطفين الذين قد يموتون أثناء التفاوض على إطلاق سراحهم، ولماذا يتم تعريض حياة الجنود للخطر، عندما تكون مهمتهم الوحيدة هي وجودهم في الميدان حتى انتهاء المفاوضات في انتظار الأمر بالانسحاب؟".

ولفت الكاتب إلى أن "الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من هذا التساؤل هو أن الحكومة لا تنوي الوصول إلى المرحلة الثانية من الصفقة، وأن وجودها نفسه (أي المرحلة الثانية) يشير إلى نية سيئة. في الواقع، هذا الاستنتاج يتطلب إنقاذ كل مختطف يمكن تحريره في المرحلة الأولى، كما لو أنه لن تكون هناك مرحلة ثانية أبداً. لأنه لا يجب أن نعيش في أوهام. إن الرغبة في الوجود والتوسّع في غزة وحلم الاستيطان فيها لم يختفيا، بل تأجلا لبضعة أسابيع فقط. لقد أثبتت هذه الحكومة بالفعل أن حياتها (استمراريتها) أهم من أي اعتبار آخر، ولذلك يجب الاستعداد لسيناريو تستمر فيه حرب الإبادة على غزة بعد إطلاق سراح 33 مختطفاً. ستصبح حياة باقي المختطفين خسائر جانبية وثانوية مقارنة بحجم الرؤية. وماذا عن الجمهور الصامت؟ سيتمكن من إضافة هذا الفشل أيضاً إلى صفحة محاسبة النفس".

لا تعليمات لجيش الاحتلال بشأن صفقة وقف إطلاق النار في غزة

ليس بارئيل وحيداً في هذه الشكوك، فقد عبّرت أوساط أخرى، ومنها عائلات المحتجزين، عن تخوّفات من عدم تطبيق المرحلة الثانية من الصفقة. وقد تعزز هذه الشكوك التقارير المتضاربة بشأن بقاء جيش الاحتلال في قطاع غزة في مرحلة لاحقة، وعدم وضوح تحركاته المرتبطة بالصفقة. في هذا الجانب، كتبت صحيفة هآرتس العبرية اليوم، أن جيش الاحتلال يستعد للانسحاب كجزء من المرحلة الأولى من الاتفاق. مع هذا، ذكرت أنه لم يتم نقل التفاصيل النهائية بعد إلى هيئة الأركان العامة وقيادة المنطقة الجنوبية. وقال ضباط كبار للصحيفة لم تسمّهم، إنه يمكن إخلاء القوات والمواقع العسكرية بسرعة نسبية، سواء من محور نتساريم أو من محور صلاح الدين (فيلادلفي) على الحدود المصرية في رفح.

وأضافت الصحيفة أن العملية العسكرية الواسعة الوحيدة حالياً في القطاع تجري في شماله، في مخيم جباليا للاجئين، وفي الآونة الأخيرة، بشكل رئيسي، في بلدة بيت حانون المجاورة. وسيعني وقف إطلاق النار، وفقاً للصحيفة، وقف القتال هناك وسحب القوات بسرعة إلى الخلف، فيما لا يوجد في الجيش اعتراض على هذه الخطوة. وتضيف أن العملية في شمال القطاع مثيرة للجدل على أي حال، ويتساءل العديد من الضباط عن مدى فائدتها، نظراً للخسائر الكبيرة التي تكبدها جيش الاحتلال هناك في الآونة الأخيرة.

من جهته، ذكر موقع والاه العبري اليوم، أنه في ضوء التقدّم في مفاوضات الصفقة، يؤكدون في الجيش أنه لم يتم تلقي تعليمات جديدة لتغيير أنماط العمليات في غزة. وأشار مسؤولون عسكريون، لم يسمّهم الموقع، إلى أنه "على عكس التقارير، لم يتم تنفيذ أي عملية تفكيك لمكوّنات أمنية أو نقلها من المنطقة الفلسطينية إلى الأراضي الإسرائيلية، مضيفين أن الحرب ضد "حماس" مستمرة وفقاً للخطط.

ويقدّر مسؤولون في جيش الاحتلال، أنه في حال توقيع اتفاق بين إسرائيل و"حماس"، ستُتخذ القرارات وفقاً لذلك، ولكن حتى في هذه الحالة، سيتم تنفيذها تدريجياً وليس بشكل فوري. وتظهر في المؤسسة الأمنية، آراء متباينة حول إدارة المفاوضات والثمن الذي قد تدفعه حكومة الاحتلال مقابل الإفراج عن المحتجزين. ووفقاً لذات الموقع، أعربت جهات أمنية عن مخاوفها من تداعيات خطوات مثل الانسحاب من محور صلاح الدين، وفتح معبر رفح، وتسريع إعادة إعمار قطاع غزة، وهي أمور ترى أنها قد تعزز سيطرة حركة حماس، وتعيد بناء قدراتها العسكرية.

ووصف مسؤول لم يسمّه الموقع الوضع بأنه غريب، متسائلاً: "كيف يمكن التفاوض مع منظمة من المفترض أن تدمرها؟" وأضاف مصدر أمني آخر: "حماس تعيد بناء نفسها الآن، ليس فقط من خلال المساعدات الإنسانية. إنهم يطورون أسلحة جديدة، ويجنّدون نشطاء، ويستخدمون بنى تحتية لم نكن نعرفها من قبل، مثل قنوات تحت الأرض في بيت حانون".

في سياق متصل، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم، بوجود إجماع في جيش الاحتلال، على أنّ "القتال ضدّ حماس سيُستأنف في المستقبل القريب. لن يتم نزع سلاح حماس، وستظل تشكّل تهديداً تجب محاربته. حتى لو لم يكن القتال برياً في البداية، فإن البصمة العسكرية (الإسرائيلية) بعد المرحلة الثانية من الصفقة، ستظل قائمة. ستعمل القوات في المنطقة العازلة، والتي ستشكّل نقطة انطلاق لعمليات دهم في عمق أراضي غزة عند الضرورة، وستكون هناك حاجة لذلك. حتى بعد الصفقة، ستظل لدى حماس عشرات الكيلومترات من الأنفاق القتالية التي ستحاول من خلالها تصنيع الأسلحة، وتجنيد النشطاء وتدريبهم. لن يكون أمام الجيش الإسرائيلي خيار سوى الاستمرار في اقتلاع ذلك".

قراءة المقال بالكامل