مع اقتراب فصل الصيف، وارتفاع معدلات استهلاك الطاقة الكهربائية، تواجه الحكومة العراقية تحدياً كبيراً بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء الاستثناء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز من إيران، المصدر الأساسي لتشغيل العديد من محطات الكهرباء في البلاد.
ومنذ عام 2003، أنفق العراق ما يقرب من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء، ومع ذلك، لا تزال المنظومة الكهربائية تعاني من عدم الاستقرار، بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الدولة بشكل كبير على استيراد الغاز من إيران، حيث تبلغ تكلفة الاستيراد حوالي 6 مليارات دولار سنوياً. ومؤخراً، اتجه العراق إلى استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران، بتكلفة تتراوح بين 2.3 و2.4 مليار دولار سنوياً.
وعلى الرغم من امتلاك العراق احتياطيات غازية كبيرة، فإن الإنتاج المحلي لا يزال غير كافٍ لتلبية الطلب المحلي. ولمواجهة الأزمة، تعمل الحكومة على استثمار حقول الغاز، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي والتوقف عن الاستيراد.
ويرى مختصون أن هذه الخطوات، على الرغم من أهميتها، قد لا تكون كافية لضمان استقرار المنظومة الكهربائية خلال أشهر الصيف، خاصة في ظل التحديات المالية واللوجستية التي تواجه العراق.
جهود حكومية
أوضح المتحدث الإعلامي لوزارة الكهرباء، أحمد موسى، أن الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني تبذل جهوداً مضنية لحلّ أزمة الغاز الإيراني، وكذلك التعامل مع القرار الأميركي الخاص بإلغاء الإعفاء المسموح به لبغداد باستيراد مصادر الطاقة من طهران (الكهرباء والغاز).
وقال موسى، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إن هناك مباحثات حالياً مع عدد من الدول العربية المنتجة للغاز، لغرض استيراد الغاز المسال، بعد إكمال مراحل تجهيز البنية التحتية اللازمة.
وأضاف موسى أن وزارته تسعى لتنويع مصادر الغاز، حيث سيجري استيراد 20 مليون متر مكعب من الغاز عبر آليات نقل جديدة يجري العمل على إتمامها قريباً، رغم أن هذه الكمية لا تغطي سوى نصف ما كان يُستورد من إيران.
وأشار إلى أن هناك خططاً لاستيراد الغاز المسال عبر منصات عائمة ومتحركة، حيث تتولى وزارة النفط مسؤولية تأمين هذه الكميات، والتي ستساهم في تشغيل محطات كهربائية بقدرة 4000 ميغاواط، على أن تُنفذ هذه الخطط قبل شهر يونيو/ حزيران القادم، كما ستُمد أنابيب جديدة لربط المنصات بمحطات الجنوب لضمان إيصال الوقود اللازم.
حلول جزئية
قال الباحث الاقتصادي، علي العامري، إنه على الرغم من أن خطة وزارة الكهرباء تتضمن إجراءات تعزيز مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار وشبكات النقل مع دول أخرى، فإنها تظل حلولاً جزئية لا تكفي لضمان استقرار المنظومة الكهربائية خلال الصيف المقبل.
وأضاف العامري، لـ"العربي الجديد"، أن العراق يواجه تحديات مالية معقدة قد تؤثر بسرعة تنفيذ هذه المشاريع، فضلاً عن البنية التحتية المهترئة التي تعوق تحسين كفاءة التوزيع.
وبحسب الباحث الاقتصادي، فإن المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في الأزمة الحالية، بل في فشل الحكومات العراقية المتعاقبة على مدى السنوات الماضية في وضع حلول جذرية تقلل من اعتماد العراق على الغاز الإيراني، رغم التحذيرات من خطورة الاعتماد على مصدر واحد للطاقة.
وشدد على أن الحكومات بدلاً من الاستثمار في قطاع الكهرباء المحلي، وتطوير محطات الإنتاج، وتشجيع مشاريع الطاقة المتجددة، استمرت في سياسة التبعية لإيران، مما جعل العراق رهينة لأي قرار سياسي أو عقوبات دولية تؤثر بالإمدادات.
وأفاد العامري بأن الفساد المستشري في قطاع الطاقة ساهم بشكل كبير في استمرار الأزمة، فقد جرى هدر مليارات الدولارات على عقود فاسدة ومشاريع لم تُنفذ أو لم تحقق النتائج المرجوة.
وتحدث عن أن هذه السياسات لم تؤدِّ فقط إلى إفقار العراقيين بالخدمات الأساسية، بل ساهمت في دعم الاقتصاد الإيراني على حساب احتياجات العراق، حيث استمر استيراد الغاز والكهرباء من إيران، رغم امتلاك العراق إمكانيات هائلة لإنشاء منظومة طاقة مستقلة.
وخلص الباحث الاقتصادي إلى القول: "إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حقيقية وجادة لمعالجة جذور المشكلة، عبر مكافحة الفساد، والاستثمار في إنتاج الغاز محلياً، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، فسنجد أنفسنا أمام أزمات متكررة في كل صيف، يدفع ثمنها المواطن.
أزمة مرتقبة وصيفٌ لاهب في العراق
أكدت لجنة الطاقة والكهرباء في البرلمان العراقي، أن الحكومة العراقية لم تتوصل حتى الآن إلى بدائل عن الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، وهو ما يؤكد إقبال البلد على أزمة مرتقبة خلال فصل الصيف المقبل.
وقال رئيس اللجنة، محمد نوري العبد ربه، في تصريح صحافي، إن الحكومات المتعاقبة في العراق لم تتخذ أي خطوات جدية لإيجاد بدائل عن الغاز الإيراني، مشدداً على ضرورة التحرك العاجل والسريع للبحث عن البدائل، خصوصاً أن العراق يدرس بجدية إنشاء منصة لاستقبال الغاز، والتي تساعد في استيراد الغاز من دول أخرى.
وأضاف العبد ربه أن العراق بعد إلغاء الإعفاءات والتزامه بذلك يجب عليه البحث السريع عن البدائل، مبيناً أن "البدائل المتاحة تتمثل باستيراد الغاز الروسي أو القطري أو التركمانستاني".
وأكد أن أزمة توقف إمدادات الغاز الإيراني ستتكرر مجدداً مع دخول فصل الصيف، مؤكداً أن "العراق مقبل على صيف لاهب بسبب أزمة الغاز، وتعلق مصير الكهرباء في العراق بالغاز الإيراني".
