ليبيا: تفاصيل مرتقبة عن المبادرة الأممية على وقع توتر أمني

منذ ١ أسبوع ١٣

تستعد البعثة الأممية في ليبيا لتقديم المزيد من التفصيلات عن مراحل مبادرتها للحل السياسي، في الوقت الذي تتزايد فيه مؤشرات التصعيد الأمني والاقتصادي في البلاد. وأعلنت البعثة مبادرتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ودشنت أولى خطوات المبادرة بتشكيل لجنة استشارية ليبية لبحث سبل حلحلة الخلافات في القوانين الانتخابية وتقديم تصورات عن ذلك، وعقدت اللجنة ستة اجتماعات في طرابلس وبنغازي منذ مطلع فبراير/شباط الماضي.

وكشفت مصادر ليبية مقربة من اللجنة الاستشارية أنها أنهت أعمالها وسلمت توصياتها إلى البعثة الأممية، وأضافت المصادر أن المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، ستفصح عن تفاصيل مراحل المبادرة الأممية خلال إحاطتها التي ستقدمها أمام مجلس الأمن في 17 إبريل/نيسان الحالي. وأوضحت المصادر أن اللجنة لم تقتصر على التوصية بحلول فنية وقانونية حول القضايا الخلافية المتعلقة بترشح حملة الجنسيات الأجنبية والعسكريين، بل تجاوزتها إلى التوصية بتسلسل زمني لإجراء انتخابات، برلمانية وتليها رئاسية، لتجديد الشرعية البرلمانية بوصفها خطوة ضمن عمليات تفكيك الخلافات التي يتموضع أكثرها داخل نصوص الإطار القانوني للانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى التوصية بضرورة تشكيل حكومة مصغرة تقتصر معها على تقديم الخدمات الأساسية وتقديم الدعم اللوجستي والأمني للعملية الانتخابية.

وحول ما يمكن أن تُفصح عنه تيتيه أفاد أحد المصادر بأن المعلومات المتداولة في الأوساط الليبية تشير بوضوح إلى أن إحاطة تيتيه المقبلة ستسلط الضوء على آليات تنفيذ المبادرة الأممية بناءً على توصيات اللجنة الاستشارية، من بينها تشكيل لجنة حوار سياسي تضم أطيافاً ليبية واسعة بهدف تحويل توصيات اللجنة الاستشارية إلى خريطة طريق سياسية ملموسة، بالإضافة إلى إطلاق مسارات حوار أخرى تركز على الجوانب الاقتصادية والأمنية لمعالجة الجذور الهيكلية لأزمة البلاد التي تتشابك فيها العوامل السياسية مع التفاعلات الاقتصادية وانعدام الأمن.

ويعتقد مراقبون أن الخطوة الأولى من المبادرة باعتماد توصيات اللجنة الاستشارية ستلقى معارضة من الأطراف الليبية، وأبرزها مجلس النواب الذي كرر في عدة مناسبات تمسكه بالقوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة مشتركة مع المجلس الأعلى للدولة وأنها صارت نهائية وغير قابلة لفتحها أمام أي تعديلات، خاصة أنه خاطب المفوضية العليا للانتخابات بضرورة إجراء الانتخابات وفقها كونها نهائية وصارت نافذة بمصادقة النواب عليها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومن هذه الزاوية يرى جمعة شليبك، ناشط حزبي، أن موقف مجلس النواب "وحده سيضعف من قدرة أي لجان جديدة تشكلها لتحويلها إلى خريطة طريق فعالة، هذا إن غضضنا الطرف عن المواقف الأخرى مثل احتداد الانقسام الحكومي بعد الاتهامات المتبادلة بين الحكومتين هذه الأيام". ويتساءل شليبك في حديثه مع "العربي الجديد" عن قدرة البعثة على تجاوز تعقيدات المشهد المتشابك، والمضي في خطوات أخرى في مبادرتها في ظل التوتر الأمني في طرابلس والجنوب، وانفجار أزمة مالية حادة بعد قرار المصرف المركزي خفض قيمة الدينار الليبي بشكل مفاجئ.

ودفعت قوات من مصراته موالية لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، منذ يوم الجمعة الماضي، بأرتال مسلحة إلى طرابلس في خطوة أثارت احتقاناً في أوساط المجموعات المسلحة المسيطرة على طرابلس، والتي ردت بتحشيدات عسكرية في تاجوراء قريباً من المواقع التي تمركزت فيها القوة القادمة من مصراته.

وفي الجنوب، عقد صدام حفتر، بصفته قائد القوات البرية في قيادة مليشيات والده، اجتماعاً طارئاً مع قادة المليشيات في سبها صباح يوم عيد الفطر، بعد يوم من عقد قادة عسكريين تابعين للواء 128 معزز، الذي حله خليفة حفتر مطلع يناير/كانون الثاني الماضي وأقال قائده العقيد حسن الزادمة على خلفية قلق من توسع نفوذه في الجنوب. وجاءت اجتماعات الجنوب العسكرية بعد أسبوعين من دعوة وجهها الدبيبة خلال اجتماع وزاري إلى قادة عسكريين شاركوا في الاجتماع بالتوجه إلى الجنوب للسيطرة على الحدود الجنوبية للبلاد وتأمينها للحد من تدفق المهاجرين عبرها، متهماً حفتر بتسهيل مرور المهاجرين عبرها.

وفيما تغذي هذه التحركات العسكرية بيئة من عدم الاستقرار ما يعيق أي مسار انتخابي، تشهد الأوساط الليبية تحركات إقليمية ودولية تزيد المشهد تعقيداً وكان آخرها رفع تركيا، الحليف التقليدي لمعسكر غرب ليبيا، من مستوى انفتاحها على معسكر خليفة حفتر عندما استقبلت صدام حفتر، الأسبوع الماضي، بشكل رسمي وبصفته العسكرية في مؤشر لإمكانية ارتباطها بعلاقات عسكرية مع معسكر حفتر.

وفي الوقت الذي تستمر فيه موسكو في تعزيز نفوذها عبر دعمها لحفتر تسعى واشنطن إلى إدماج قواته مع قوات غرب ليبيا في إطار قوة عسكرية مشتركة، وتواصلت عدة مرات مع قادة عسكريين في شرق وغرب البلاد، آخرها لقاء القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى ليبيا جيريمي برنت مع خالد نجل خليفة حفتر، بصفته قائد القوات الأمنية في قيادة مليشيات والده، أمس الأربعاء، في إطار تواصل واشنطن "مع الضباط العسكريين في جميع أنحاء ليبيا، ودعم الجهود الليبية الرامية إلى توحيد المؤسسات العسكرية" وفق تدوينة نشرتها السفارة الأميركية في ليبيا.

ويرى شليبك أن كل هذه التحركات تتناقض مع المطالب الأممية بتهيئة بيئة آمنة للانتخابات، مضيفاً "كيف ستتوافق الأطراف على انتخابات تجدد الوجه السياسي والجهات الدولية ترسخ وجودها العسكري على الأرض بالتحالف معها". ورغم نجاح الأمم المتحدة في رعاية حوارات سابقة انتهت بتوقيع اتفاقات سياسية، كاتفاق الصخيرات عام 2015 واتفاق جنيف عام 2021، فشلت في مبادرات أخرى مثل مبادرة المؤتمر الوطني الجامع عام 2019 ومبادرة الطاولة الخماسية عام 2023، إلا أن شليبك يعتبر أن استمرار أزمة البلاد يعود لانقسامات داخلية تفشل المبادرات ما يقلل الأمل في نجاح المبادرة الحالية، خاصة في معالجة الجذور الهيكلية للأزمة، كالانقسام الحكومي وتضخم نفوذ المليشيات، وفق رأيه.

لكن حالة الاختناق التي وصلت إليها الأطراف السياسية، ولا سيما بعد بيان المصرف المركزي الذي ألقى بمسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي على كل الأطراف، قد يُسهل مهمة البعثة الأممية وفقاً لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية حسين الرقيق، الذي يرى أن الواقع بات يفضح حقيقة صراع الأطراف بعد أن كشفت تقارير خبراء الأمم المتحدة عن تحالفات وصفقات تحت الطاولة بين الأطراف رغم صراعها المعلن.

ويؤكد الرقيق في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الموقف حيال رفض استمرار الطبقة السياسية في الحكم "لن يقتصر على احتجاجات شعبية محتملة، بل أيضاً على استياء المجتمع الدولي الذي حتى سفراؤه في ليبيا يصرحون بفساد الحكومات"، مضيفاً: "هناك تنافس دولي واختلاف في المصالح، لكن في نفس الوقت هناك إمكانية لتقارب المصالح أيضاً. برأيي أن مشروع تشكيل قوة مشتركة من معسكرَي البلاد سيكون الأرضية الحاضنة لمشروع الأمم المتحدة الجديدة لتبديل القادة السياسيين مع تحجيم دور المليشيات واحتواء وحداتها القوية في معسكر واحد".

قراءة المقال بالكامل