مجازر مخيم جباليا| هكذا قتلت إسرائيل أطفال عائلة الصليبي (23)

منذ ٢ شهور ٣٣

لا أعلم إلى أين سيأخذني قلمي في رصد وتوثيق مئات المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهالي مخيم جباليا شمالي غزة، وسط جرائم الإبادة على القطاع منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن كلّ ما أعرفه أنني خذلت نفسي ودماء شهداء الحيّ الذي أسكنه، حين انتظرت كل هذه المدة للبدء بالكتابة عنهم، ولأنه لا وقت للتبريرات، فإنّ هذه الشهادات بمنزلة بوابة على مئات القصص عن شهداء في مخيم جباليا مُسحوا من السجل المدني، وناجين عاشوا وتحملوا كل أنواع القهر.


بعض العوائل في مخيم جباليا، مُسحت من السجل المدني من الهجمة الأولى التي تعرضت لها، لكن هناك عشرات العوائل نجت من عدة محاولات لشطبها، وكانت تنزح داخلياً في المخيم، وفي آخر المطاف نجحت إسرائيل من مسحها. من بين إحدى تلك العوائل التي كانت تصارع الموت، وتحتمي من مكان إلى آخر  قبل رحيلها، عائلة الصليبي، التي يبعد منزلهم عن منزلنا في بلوك "7" متراً واحداً.

عائلة الصليبي لديها خمسة أبناء جميعهم متزوجون، أقل واحد فيهم لديه طفلان، لم يمضوا قدماً في مسيرتهم التعليمية، لكنهم ركزوا طاقاتهم في الأعمال الحرفية ونجحوا فيها؛ كل شخص فيهم عثر على مهنة لمَسك رمق عائلته. في الصغر عاش أبناء عائلة الصليبي، ظروفاً قاسية، كانت أمهم ليلى (54 عاماً) مريضة كلى، وتوفيت وهم صغار، إذ اجتمع عليهم اليُتم والفقر.

تعيش العائلة في منزل مغطى بالقرميد، مساحته 120 متراً، فيه أربع غرف صغيرة، كل شاب وزوجته وأطفاله، ومن لم يجد له مكاناً يستأجر في شقق مختلفة الأماكن في المخيم. توزيع العائلة في ذلك المنزل كالتالي، في غرفة يعيش الأب جميل (63 عاماً) والذي تزوج بامرأة ثانية تدعى أمل الأدغم (52 عاماً)، أنجب منها تامر (14 عاماً)، وتالا (12 عاماً).

في الغرفة الملاصقة يعيش ابنه فادي (35 عاماً) وزوجته تمارا الزعنون (34 عاماً)، ولديهما من الأطفال أنس (9 أعوام) ورغد (11 عاماً). فادي، يعمل حارس أمن لجمعية ثقافية متخصصة في التراث الفلسطيني. أما عن الغرفة الثالثة، فهي مسكن نايف (36 عاماً) وزوجته نور كلوب (23 عاماً)، ولديهما من الأطفال، وسيم (أربعة أعوام) ولؤي (عامان).

وعن الغرفة الأخيرة، هي عائلة أحمد (32 عاماً) وزوجته هدى التلولي (31 عاماً)، ولديهما طفلان صغيران محمد (أربعة أعوام) وليلى (عامان)، أحمد كان عاملاً متجولاً. شقيقهم الأكبر وجدي (38 عاماً) مستأجر شقة صغيرة ملاصقة لمنزل والده، يعيش مع زوجته ليلى (35 عاماً)، ولديهما من الأطفال، يزن (عشرة أعوام)، ومجد (14 عاماً)، يعمل وجدي شرطياً.

كذلك الأمر في ما يخص محمود (33 عاماً) المتزوج بسها بركات (25 عاماً)، استأجر شقة في بلوك "2" الواقع على الطرف الجنوبي من مخيم جباليا، لديه ثلاثة أطفال إناث (حور وليلى أربعة أعوام) ووتين عامان، الآن هو موجود في مدينة نابلس، كان قد سافر إلى الضفة المحتلة بحثاً عن عمل. أما شقيقتهم الوحيدة نداء (24 عاماً) فمنفصلة عن زوجها ولديها طفل يدعى أحمد (أربعة أعوام)، اتخذت صالون المنزل مبيتاً لها مع طفلها.

عصر يوم 31 أكتوبر 2023، ذهب نداء وزوجة وجدي التي تدعى ليلى، إلى مخبز عجور لتأمين العائلة بالخبز، لكنّ السيدتين، تبخرت أجسادهما وأي معلومة عنهما، حين ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية ست قنابل على حي "السنايدة" حيث يقع مخبز عجور، واستشهد في تلك المذبحة 600 شخص، أغلبهم لم يتم العثور عليهم ومن بينهم نداء وليلى.

 

بعد ليلتين، أي في ليلة 2 نوفمبر 2023، نفذ الجيش الإسرائيلي حزاماً نارياً على بلوك "7"، لحسن الحظ نجا جميع عائلة الصليبي، ولم يتعرض أحد منهم لأي خدش، لكن المنزل لم يعد صالحاً للسكن، فانتقلوا جميعهم إلى الشقة التي استأجرها محمود في بلوك "2" في المخيم.

ظنت العائلة أنها بمأمن عن آلة الموت الإسرائيلية؛ في حدود الساعة الرابعة فجراً من تاريخ 6 ديسمبر 2023، مسحت الطائرات الحربية مربع سكني كامل في بلوك "2" بعد ما ألقت ثلاث قنابل ثقيلة في غضون نصف دقيقة، من بين تلك المنازل التي تحولت إلى حفرة كبيرة، هي شقة محمود، وقتل أغلب من كانوا فيه، وقدر عدد القتلى في ذلك المربع المستهدف 100 شهيداً.

استشهد جميع أطفال ونساء عائلة الصليبي، ونجا سبعة أشخاص، هم الصغيران تامر وتالا، ونايف وزوجته نور، ووجدي، وأحمد وفادي. الأبناء جميعهم على قيد الحياة، لكن زوجاتهم وأطفالهم اختلطت عظامهم بالركام.

يقول وجدي كبير العائلة :" ابني الشهيد الطفل يزن؛ استشهد يوم الطفل العالمي؛ كان يُخبرني دائمًا أنه عندما سيسقط الصاروخ عليه، سيصعد فوقه ويطير به نحو القمر ليكتشفه، لم يفهم أن الصاروخ قادم ليجعله أشلاء (..) إنها براءة طفل في عالم قذر".

بعد ثلاثة أسابيع، من تلك المذبحة، تمكن شبان عائلة الصليبي، من انتشال جثامين ذويهم، كانوا عبارة عن أشلاء، دفنوا جميعهم في قبر واحد. جزء منهم بقي محاصراً في مخيم جباليا، في الوقت الذي كانت تتم فيه الحملة العسكرية. فيما اتخذ شقيقهم نايف مساراً مختلفاً، بعد المجزرة، حين نزح مع زوجته إلى جنوب قطاع غزة، وسكن خيمة.

من المفارقات الغريبة في حكاية نايف، أن زوجته أنجبت في التاريخ الذي استشهد فيه أطفالها وأطلقت على الوافد الجديد اسم لؤي. يعلق نايف: "قبل عام استشهد طفلي لؤي الأول، وهذا العام رزقني الله بلؤي ثان، نحاول تجاوز ما حصل لنا، ومحاولة إعادة بناء شجرة العائلة".

قراءة المقال بالكامل