منع العودة إلى شمال غزة: خرق إسرائيلي لاتفاق التهدئة

منذ ٢ شهور ٣٤

لم يتمكن مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة من العودة إلى مناطق سكنهم وأحيائهم التي نزحوا منها، سواء من شمال غزة أو من مدينة غزة، بفعل القرار الإسرائيلي الأخير بمنع عودة النازحين إلى شمال غزة متذرعاً بعدم تسليم أسيرة إسرائيلية لدى حركة الجهاد الإسلامي. ونص اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار في القطاع على بدء عودة النازحين الفلسطينيين اعتباراً من اليوم السابع، أول من أمس السبت، الذي شهد تسليم المقاومة الفلسطينية أربع أسيرات مجندات في جيش الاحتلال، في حين أفرجت مصلحة السجون الإسرائيلية عن 200 أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات بالسجن مدى الحياة. وتذرّع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرقلة حركة حماس وفصائل المقاومة الاتفاقَ من خلال عدم تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهودا، وهي أسيرة موجودة لدى حركة الجهاد الإسلامي في غزة. ويدعي الاحتلال أن يهودا أسيرة مدنية، في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر في "الجهاد" و"حماس" لـ"العربي الجديد" أنها عسكرية وكانت تعمل في برنامج "الفضاء" التابع للجيش الإسرائيلي قبل أسرها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.


جهاد طه: نرفض وضع شروط جديدة لفتح حاجز محور نتساريم

الحراك نحو شمال غزة

ولا يمس عدم تسليم يهودا فقط بعودة النازحين إلى شمال غزة، وإنما يرتبط بمصير 20 أسيراً فلسطينياً قد يطلق سراحهم أو يبقون في السجن في ظل اختلاف التفسير المتعلق بهويتها، فالأسير المدني الإسرائيلي يُطلق مقابله 30 أسيراً فلسطينياً في حين يطلق مقابل العسكري 50 أسيراً فلسطينياً. ويبدو الموقف الإسرائيلي مقصوداً في محاولة لتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية متعلقة بالصفقة، في ظل المشاهد التي حرصت المقاومة الفلسطينية على خروجها في الأيام الأولى لوقف إطلاق النار في القطاع. ميدانياً، توافد عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى منطقة شارع الرشيد الساحلية منذ مساء أول من أمس السبت للعودة إلى مناطقهم في شمال غزة التي نزحوا منها، حيث جمعت الكثير من العائلات أمتعتها وخيامها استعداداً للعودة، وهو الأمر الذي لم يتحقق. وعمدت قوات الاحتلال إلى استهداف النازحين الفلسطينيين المتجمعين على مقربة من شارع الرشيد في منطقة تبة النويري، وهي أقرب منطقة لمدينة غزة من جهة الوسط، ما تسبب في استشهاد فلسطيني وإصابة عدد منهم برصاص قوات الاحتلال.

وتكدست العائلات على جانب الطرق المدمرة بفعل القصف والعمليات العسكرية الإسرائيلية في انتظار السماح لها بالمرور عبر الشريط الساحلي، فيما تجمهر المئات على مقربة من شارع صلاح الدين وسط القطاع. ومع تكرار عمليات إطلاق النار وتسجيل إصابات في صفوف السكان، طالبت الأجهزة الأمنية والشرطية النازحين بالعودة وتقليل التجمهر، خشية انفلات الأوضاع وارتكاب الاحتلال مجازر جديدة في صفوفهم في ظل ترقبهم للعودة إلى مناطق غزة والشمال. وأمضى بعض العائلات ليلتين كاملتين في الطريق المؤدي للعودة أملاً بأن تكون ضمن المسار الأول الذي سيتمكن من الوصول إلى مناطق مدينة غزة وشمال غزة بعد أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار أسبوعه الثاني على التوالي.

وبحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، فإن سلسلة من الاتصالات جرت منذ صباح أول من أمس السبت في مسعى للوصول إلى حل لهذه المعضلة، فيما تمسكت حكومة نتنياهو بالإفراج عن الأسيرة يهودا للسماح بعودة النازحين، بينما أصرت المقاومة الفلسطينية على أنها ستفرج عنها السبت المقبل وأنها قدمت كل المرونة الكاملة للإفراج عنها. وقال المتحدث باسم حركة حماس جهاد طه، لـ"العربي الجديد"، إن عرقلة عودة النازحين إلى منطقة شمال غزة هي عربدة جديدة للاحتلال ونقض ومماطلة واضحة في تنفيذ ما تم التوافق عليه، والالتزامات التي يجب أن ينفذها الاحتلال. وأضاف طه أن "هناك تواصلاً مع الوسطاء ومن يعنيهم الأمر ورفض وضع شروط جديدة لفتح حاجز محور نتساريم والانسحاب منه، والوسطاء يتابعون هذا الأمر لمعالجته من أجل السماح بعودة الفلسطينيين إلى مناطقهم في أقرب وقت ممكن". وأكد أن تجمّع الآلاف من الفلسطينيين عند محور نتساريم هو دليل واضح على إصرارهم على العودة والتمسك بأرضهم ورفض كل مشاريع التهجير، وردّ حقيقي على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي دعا فيها إلى استقبال أهالي غزة في مصر والأردن.

ورفضت عشرات العائلات العودة إلى مناطقها التي كانت نزحت إليها وأصرت على البقاء في أقرب نقطة ممكنة للعودة إلى شمال غزة ومدينة غزة، وسط أمل وتفاؤل بأن تشهد الأزمة حلاً ينهيها ويفسح المجال تجاه تنفيذ كامل الاتفاق. وأنهت البلديات والجهات الحكومية والشرطية كامل استعدادها على مدار الأيام الماضية من ناحية فتح الطرق والشوارع المركزية لاستقبال العدد الكبير من النازحين العائدين، فيما انطلقت سلسلة من المبادرات التي تستهدف استقبال العائدين عبر توفير مركبات بعد مسلك المشاة في الشريط الساحلي لنقلهم إلى نقاط مرورية بعينها. وبالتوازي مع ذلك، فقد عُلّق الكثير من اللافتات التي ترحب بالنازحين العائدين إلى مدينة غزة من خلال المؤسسات الفصائلية أو المجالس البلدية، بالإضافة إلى دعوات لحمل مئات الأعلام الفلسطينية خلال رحلة العودة.


محمود بصل: الاستعدادات اللوجستية على صعيد عودة النازحين وفتح الشوارع أصبحت ممكنة في المناطق الغربية والشرقية للقطاع

وقالت السيدة عائشة الحصري التي تجمّعت مع أبنائها على مقربة من تبة النويري، غربي مدينة النصيرات وسط القطاع، إنها قضت الليلتين الأخيرتين في المنطقة استعداداً لرحلة العودة التي لم تتحقق بفعل التعطيل الإسرائيلي. وأضافت الحصري لـ"العربي الجديد" أن "هذه الساعات والأوقات صعبة بقدر صعوبة الحرب، ونأمل أن تنتهي هذه المشكلة سريعاً ونتمكن من العودة إلى مناطقنا التي نزحنا منها بشكل قسري جراء الحرب والقصف". وتابعت: "منذ أن غادرنا مدينة غزة ونحن ننتظر هذه اللحظة على أحر من الجمر فنحن نزحنا مضطرين ومجبرين بفعل القصف الإسرائيلي والإبادة التي استهدفت مناطقنا طوال فترة الحرب". أما الفلسطيني محمد الشيخ حسن، فقرر العودة إلى منطقته التي كان يوجد فيها قبل انتهاء الحرب في ظل عدم وضوح المشهد والمماطلة الإسرائيلية في السماح بعودة النازحين إلى مدينة غزة وشمال غزة واستهداف الموجودين في تلك المناطق. وقال الشيخ حسن لـ"العربي الجديد" إنه فور دخول مساء الجمعة، قام بجمع متعلقاته الشخصية هو وعائلته واتجهوا بمركبتهم نحو طريق صلاح الدين وسط القطاع، وأمضى نحو يومين في المكان، إلا أنه صدم بالقرار الإسرائيلي.

وأضاف أن قرار العودة إلى منطقة النزوح جاء بسبب الخشية على أفراد عائلته في ظل تكرار عمليات إطلاق النار من قبل جنود الاحتلال والآليات المتمركزة في المناطق الشرقية للقطاع على النازحين الموجودين على الطريق. وأشار إلى أن المشهد الميداني يعكس تعلّق الفلسطينيين بأرضهم ورغبتهم في العودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها، نظراً إلى التكدس الشديد في مختلف المناطق التي حددت مساراً للعبور نحو مناطق غزة والشمال ضمن بنود اتفاق وقف إطلاق النار. وبين فترة وأخرى، عمدت قوات الاحتلال إلى إطلاق النار بشكل مباشر تجاه النازحين الموجودين على مقربة من الشريطين الساحلي والواقع شرق محور نتساريم، فضلاً عن إطلاق القنابل والغازات في محاولة لفض تجمع الفلسطينيين.

جهوزية الاستعدادات اللوجستية

من جهته، أكد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة محمود بصل أن الاستعدادات اللوجستية على صعيد عودة النازحين وفتح الشوارع أصبحت ممكنة في المناطق الغربية والشرقية للقطاع، بعد انتهاء كامل الاستعدادات. وقال بصل لـ"العربي الجديد" إن هناك عدداً من الإصابات وصل إلى المستشفيات الحكومية خلال اليومين الماضيين بفعل استهداف الاحتلال النازحين في منطقة شارع الرشيد ومنطقة محور نتساريم شرقياً. وأوضح أن الجهات الحكومية وفرق الدفاع المدني جاهزة من الناحية الفنية، غير أن عشرات الآلاف من الأسر فقدت منازلها وستعود من دون أن يكون لديها مكان تعيش فيه بعد رحلة النزوح والحرب. وأشار إلى أن جميع الأجهزة الشرطية، وحتى المبادرات الشعبية، أنهت كامل الاستعدادات لاستقبال النازحين، سواء بالمياه أو العصائر وغيرها من الأمور لاستقبال هذا الكم الكبير من النازحين مع سماح الاحتلال لهم بالعودة.

قراءة المقال بالكامل