على الرغم من أن الرسوم الجمركية المفروضة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على واردات دول الخليج للولايات المتحدة البالغة 10% ليست كبيرة مقارنة بالرسوم على الدول الصناعية، صاحبة العجز التجاري الكبير مع واشنطن، مثل الرسوم على الصين البالغة 34%، ودول الاتحاد الأوروبي البالغة 25%، إلّا أنّ رسوم ترامب سدّدت ضربة قاسية للسلعة الرئيسية التي تعتمد عليها دول مجلس التعاون في دخلها، وهي النفط؛ إذ من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ركود اقتصادي كبير في الاقتصاد العالمي، خاصة الدول الرئيسية المستوردة للنفط. ويُلاحظ أن أسعار خام برنت، لعقود يونيو/ حزيران المقبل، وهو خام القياس العالمي للبترول، تراجعت بنحو 4.56 دولارات إلى 65.8 دولاراً للبرميل في ختام تعاملات الجمعة الماضي.
ومن المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية إلى تباطؤ اقتصادي، بسبب زيادة تكاليف السلع المستوردة، وبالتالي انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، ما يؤثر بدوره في الطلب العالمي على النفط، وبالتالي فإنّ مداخيل دول مجلس التعاون ربما ستعاني من انخفاض الطلب العالمي على النفط، وكذلك من تراجع أسعاره عالمياً.
ونهاية الأسبوع الماضي أعلن ترامب عن فرض حد أدنى بنسبة 10% من الرسوم الجمركية على جميع الدول المصدّرة إلى الولايات المتحدة من ضمنها دول الخليج، في حين فُرضت رسوم إضافية بين 30% و41% على ستّ دول رئيسية، تشمل الصين واليابان ودولاً أوروبية، ما أثار قلق الأسواق بشأن مستقبل النظام التجاري العالمي وعودة الركود والتضخم الجامح.
وفي أول ارتدادات الرسوم الجمركية على الاقتصادات الخليجية، شهدت مؤشرات الأسهم الرئيسية في دول الخليج والأسواق العربية أكبر انخفاض لها منذ عام 2020، أمس الأحد، متأثرةً بتفاعل المستثمرين مع التهديدات المزدوجة المتمثلة في حرب تجارية عالمية وانخفاض أسعار النفط.
شهدت مؤشرات الأسهم الرئيسية في دول الخليج والأسواق العربية أكبر انخفاض لها منذ 2020، متأثرةً بتفاعل المستثمرين مع التهديدات المزدوجة المتمثلة في حرب تجارية عالمية وانخفاض أسعار النفط
ووفق وكالة بلومبيرغ، انخفضت أسهم البورصة السعودية الرئيسية بنسبة 6.1%، بينما انخفضت مؤشرات الأسهم بالكويت بأكثر من 5.5%، وكان سهم أرامكو السعودية من بين أبرز الخاسرين، إذ فقدت أسهم الشركة النفطية العملاقة أكثر من 90 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال جلسة أمس الأحد على خلفية انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية. ويُلاحظ أنّ السعودية تحتاج إلى بقاء أسعار النفط عند نحو 96 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها لعام 2024، وفق بيانات صندوق النقد الدولي، ومن شأن استمرار انخفاض أسعار النفط أن يُفاقم العجز المالي لدول المنطقة، وبالتالي يُؤدي إلى خفض الإنفاق العام وضرب خطة المملكة للتنويع الاقتصادي.
ورغم أن النفط معفى من الرسوم الجمركية الأميركية، وأن أميركا ليست مستورداً كبيراً للنفط العربي، إلّا أن مخاوف حدوث كساد في الطلب العالمي على مشتقات الطاقة يُرهب المضاربين في أسواق المال الخليجية. وفي عام 2024، استوردت الولايات المتحدة 715 ألف برميل يومياً من النفط العربي، وهو ما يُمثل أقل من 10% من إجمالي وارداتها النفطية البالغة 8.42 ملايين برميل يومياً، أو أقل من 3% من إجمالي إنتاج المنطقة البالغ 30.36 مليون برميل يومياً في عام 2023، وفق بيانات إدارة الطاقة الأميركية.
ويرى البروفسور في جامعة سونغ كيون كوان بسيول، إنووك كيم، في تحليل حديث في موقع أتلانتك كاونسل، أن انخفاض أسعار النفط لفترات طويلة قد يُزعزع استقرار اقتصادات الدول النفطية، مع تزايد الضغوط المالية، ويؤدي إلى انخفاض الإنفاق العام. ويقول في تحليله إن الرسوم الجمركية ليست مسألةً أحادية الجانب، بل هي لعبة تفاعلية وينبغي مراقبة الخطوة التالية لتفاعلاتها.
أما على صعيد تراجع الدولار المتوقع بسبب الرسوم الجمركية، فإنّ تداعياته ستكون كبيرة على المواطن الخليجي الذي ترتبط عملاته بحركة العملة الأميركية، ويستورد معظم السلع الاستهلاكية من الخارج.
وساهم ربط عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار في تحقيق الاستقرار المالي، والقدرة على التنبؤ في التجارة والاستثمار وأسواق الصرف الأجنبي. وعلى سبيل المثال، أدى استقرار الدولار لفترة طويلة إلى تخفيف مخاطر العملات بالنسبة للمتداولين في أسواق الخليج، لكن تقلبات الدولار المتوقعة بسبب هذه الرسوم المدمرة للاقتصاد العالمي قد يكون لها تداعيات مباشرة على الاقتصادات المحلية بالمنطقة.
ويرى محلّلون أن ربط سعر صرف العملات الخليجية في هذه الدورة التراجعية بالدولار، سيكون مفيداً لدول مجلس التعاون لو كانت دولاً مصدرة للسلع غير النفطية، لكنها دول استهلاكية للسلع المستوردة، وبالتالي فإنّ تراجع الدولار سيكون له تأثيرات كبيرة على اقتصادات الخليج، ومعروف أن غالبية السلع المُستهلكة في دول مجلس التعاون الخليجي مستوردة من الصين وجنوب شرق آسيا وأوروبا، ما يعني أنّ انخفاض قيمة الدولار ستؤدي إلى زيادة تكلفة هذه الواردات، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
ساهم ربط عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار في تحقيق الاستقرار المالي، والقدرة على التنبؤ في التجارة والاستثمار وأسواق الصرف الأجنبي
وعلى سبيل المثال، إذا ارتفعت تكاليف الاستيراد كثيراً نتيجة ضعف الدولار، فقد يواجه المستهلكون ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات الأساسية، كما يرى محللون أن انخفاض الدولار يضغط على السياسة النقدية، إذ تَحدّ الحاجة إلى الحفاظ على ربط العملات من مرونة السياسة النقدية للبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، فعندما يرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة لمكافحة التضخم أو تحفيز نمو الاقتصاد الأميركي، تضطر دول مجلس التعاون الخليجي لأن تحذو حذوه للحفاظ على ربط عملاتها.
ولاحظ تحليل حديث صادر عن وكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيف الائتماني أن ارتفاع أسعار الدولار في العام 2023 أدى إلى تراجع التضخم في دول الخليج، بينما كان التضخم مرتفعاً في معظم دول العالم، إذ حافظ التضخم على نسبة 2.6% في المتوسط، وبالتالي فإن تراجع قيمة الدولار ستقود تدريجياً إلى ارتفاع أسعار السلع وضرب جيوب أصحاب الأجور الدنيا والطبقة المتوسطة بدول الخليج.
ويرى محللون كذلك أنّ الانخفاض المُستمر في قيمة الدولار قد يثير المخاوف بشأن الحفاظ على احتياطيات أجنبية كافية للتدخل وحماية عملاتها من المضاربة في مصارف "أوفشور"، مثل ما حدثت المضاربة في السابق على الريال السعودي والدرهم الإماراتي في بنوك البحرين، ويرى هؤلاء أنه إذا بدأ المستثمرون في الشكّ باستدامة ربط العملات الخليجية بالعملة الأميركية بسبب ضعفها المُستمر أو الانخفاض الحاد في أسعار النفط، فقد يُؤدي ذلك إلى هروب رؤوس الأموال من المنطقة، وتهديد المشاريع التنموية المخطط لها للتحول الاقتصادي.
على صعيد الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مصدر حيوي لخلق فرص العمل والابتكار، ترى نائبة مدير العمليات والمالية بمركز أتلانتك كاونسل، إميليا بيرس، أن الرسوم ستضرب الشركات الصغيرة والمتوسطة التي أسستها وتديرها فئات مهمّشة بالفعل، مثل النساء والشباب، التي غالباً ما تفتقر إلى شبكات أمان اجتماعي ومالي تعتمد عليها، وتتابع "سيؤدي الفشل واسع النطاق للشركات الصغيرة والمتوسطة إلى آثار سلبية متعددة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، ما يُصعّب على الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الانتقال إلى اقتصادات قائمة على المعرفة".
