بعد أقل~ من عام على تعيينه، أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس الحكومة كمال المدوري، من دون ذكر أسباب. وقرّر تعيين سارة الزعفراني الزنزري خلفاً له. يبدو هذا مشهداً معتاداً من الملهاة التونسية التي بدأها سعيّد قبل ما يقرب من أربع سنوات، عندما حلّ المؤسّسات السياسية المنتخبة، وانفرد بالقرار، وشنّ حملة قمع على خصومه وسجنهم، ليبدأ مسلسل تغيير الحكومات باستمرار، وفقاً لمزاجه الشخصي.
ارتبط مسلسل التغييرات الحكومية هذا في البداية باحتفاءٍ عجيبٍ من بعضهم، بعد تعيين نجلاء بودن لقيادة الحكومة، إذ اعتُبرت "أوّل امرأة تتولّى منصب رئاسة الحكومة في تونس والوطن العربي"، وكأنّها تمتلك صلاحيات حقيقية، أو كأن تونس دولة ديمقراطية أصلاً. وبالفعل، لم تفعل نجلاء شيئاً، بسبب طبيعة النظام التونسي السلطوية، التي تشبه ليبيا معمّر القذّافي، لتغادر مكانها في هدوء، مثلما دخلته في هدوء، قبل أقلّ من عامَين على توليها المنصب، ليحلّ محلها أحمد الحشاني، الذي لم يلبث إلا عاماً واحداً، ليأتي كمال المدوري.
والآن، وبعد تعيين سارة الزعفراني رئيسة للحكومة، من المفترض أن نشهد احتفاء مماثلاً ممّن هلّلوا لتعيين نجلاء بودن، باعتبارها "ثاني امرأة تتولّى منصب رئاسة الحكومة في تونس والوطن العربي"، وهو "إنجاز" حقّقته تونس مرّتَين خلال أقلّ من أربع سنوات، لكنّ الفارق أن هذه المرّة لم تشهد التهليل المتوقّع، وذلك بعد اتضاح تفاهة فكرة تسويق تعيين امرأة في منصب رئيس الوزراء باعتبارها إنجازاً كبيراً، وبعدما ظهر أن منصب رئيس الوزراء في بلد غير ديمقراطي لا لزوم له من الأساس، خاصّة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في تونس، والتراجع في المجالات كافّة، حتى وصل الأمر إلى وجود شحّ في الخبز. وكالعادة، لجأ سعيّد إلى الأسلوب البائس للديكتاتوريات العربية، عندما اتهم، في اجتماع لما يسمّى "مجلس الأمن القومي"، من سمّاهم "العصابات الإجرامية" بأنها المسؤولة عن تدهور المرافق العامّة.
تأثرت الدول العربية عموماً بالنظام السياسي الفرنسي، الذي يطلق عليه "النظام شبه الرئاسي"، إذ يقضي بأن يكون هناك رئيس ورئيس للوزراء. لكنّ الأمر تحوّل في الدول العربية مسخرةً، لأن لا صلاحيات حقيقية لرئيس الوزراء، فهو أشبه بالسكرتير. وفي أفضل الأحوال يشرف على الجوانب الخدمية والاقتصادية، وأصبح المنصب شمّاعةً يعلّق عليها الإعلام والساسة الأخطاء والكوارث كافّة، واقتصرت وسائل الإعلام العربية على انتقاد رئيس الحكومة، وكأنه يملك من أمره شيئاً، في تبرئة غير مباشرة للرئيس، باعتباره غير مسؤول، رغم أنه هو من اختار رئيس الحكومة من البداية، وهو ما يفعله قيس سعيّد باستمرار، إذ ينتقد مراراً أداء الوزراء، محمّلاً إياهم مسؤولية التدهور، مُعفياً نفسه بالطبع من أيّ مسؤولية.
ولم يكن الوضع أفضل حالاً في سورية خلال حقبة الأسدَين (الأب والابن)، فرغم أن النظام كان من الأكثر وحشية وتخلّفاً في العالم، إلا أنه لم يخلُ من تمثيليّة تعيين رئيس وزراء، ممسحة للنظام لا أكثر، وظهر هذا في شهادات المسؤولين السابقين في نظام الأسد، إذ كشفوا، بعد سقوطه، أنهم لم يكونوا سوى واجهةً للأجهزة الأمنية والمخابراتية، وينتظرون قرارها في كلّ صغيرة وكبيرة. ولم يكن لهم رأي في أيّ قراراتٍ مهمّةٍ أو شبه مهمّة، وهي حقيقة بديهية في ظلّ نظام كهذا.
لهذه الأسباب، تبدو فكرة النظام الرئاسي الكامل، الذي تبنّاه الإعلان الدستوري الجديد في سورية ما بعد الأسد وجيهة من الناحية المبدئية، إذ يعتمد على الفصل الكامل بين السلطات، مع التأكيد بالطبع على أن كل الاحتمالات واردة، إذ يمكن أن تتحوّل البلاد نظاماً رئاسياً سلطوياً مثل نظيره في تونس. وقد أكّدت عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري بهية مارديني هذه الفكرة عندما قالت، في مقابلة تلفزيونية قبل أيّام، إن رئيس الوزراء كان دائماً "كبش الفداء" في عهد الأسد، إذ كان يُحمَّل أخطاء الدولة كلّها. لذلك، يجب أن يتحمّل الرئيس نفسه كامل المسؤولية أمام الشعب، مع ترك حسم الأمر نهائياً للبرلمان المقبل.
