في خطوة متوقعة، استدعى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار إلى جلسة طارئة في مكتبه ليعلن أمامه نيّته إقالته، تماماً كما فعل مع مسؤولي المنظومة الأمنية، إمّا بإقالتهم مباشرةً كحال وزير الأمن السابق يوآف غالانت، أو بالضغوط التي مارسها على رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي؛ حيث دفعه لتقديم استقالته "طوعاً". ولم يمضِ وقت على انتهاء الجلسة، حتّى أصدر مكتب نتنياهو بياناً، مساء اليوم الأحد، قال فيه إن الأخير أبلغ بار أنه سيضع على طاولة الحكومة هذا الأسبوع مقترح الإقالة. ومن المزمع طرح مقترح الإقالة يوم الاربعاء المقبل، بحسب موقع "وانيت".
التوترات بين نتنياهو وبار تفاقمت حدّتها مؤخراً، خصوصاً بعد إقصاء الأولِ الثانيَ وإزاحته من مطبخ المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار مع حركة حماس، وتعيين وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، المقرّب من نتنياهو، بدلاً منه، إلى جانب إرسال نائب الأخير، المشار إليه بالحرف "ميم"، ضمن أعضاء الوفد المفاوض، والمرشح لخلافته بالمنصب.
إقصاء رئيس الشاباك صاحبه أيضاً محاولات من نتنياهو في الأيام الماضية بإقناعه تقديم استقالته، وعلى ما يبدو بعدما رفض بار ذلك، قرر نتنياهو إقالته بنفسه، وفق ما نقل "واينت" عن أوساط دائرة رئيس الحكومة. الأخير، وبعد اجتماعه مع بار اليوم، نشر شريطاً مصوّراً أوضح فيه أسباب قراره، مبرراً الأمر بـ"انعدام الثقة المتواصل". وكما زعم، فإن "إسرائيل توجد في حرب وجودية، وتقاتل في سبع جبهات. وفي جميع الأوقات، وخصوصاً في لحظة الحرب الوجودية، ينبغي أن يكون لدى رئيس الحكومة ثقة كاملة برئيس الشاباك". وأضاف: "غير أنه لأسفي، الوضع نقيض ذلك تماماً، لا توجد لدّي ثقة كهذه".
نتنياهو أضاف أن انعدام الثقة بينه وبين بار "تعاظم وتفاقم بمرور الوقت". وبينما شدد على أنه يُقدر عناصر الجهاز بسبب ما يقومون به لخدمة أمن إسرائيل وحمايتها، لفت إلى أنه "بصفتي رئيس الحكومة المسؤول عن الشاباك، فأنا على يقين من أن هذه الخطوة ضرورية لإعادة تأهيل المنظمة، وتحقيق جميع أهداف حربنا، ومنع الكارثة المقبلة".
وعلى الرغم من أن بار لم يكن يخطط أساساً لاستكمال ولايته، إلا أنه لم يكن يخطط أيضاً للاستقالة، أقله حتى مايو/ أيار المقبل. وهذه الإقالة لا تمر عبر الحكومة فحسب، وإنما ينبغي أن تمر أيضاً عبر المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف- ميارا، التي يخطط نتنياهو ووزراؤه لإقالتها هي الأخرى، وسط مسار مليء بالعراقيل والصعوبات القانونية.
"ابتزاز وتهديد نتنياهو بالبث المباشر"
ولئن بدا قرار نتنياهو متوقعاً، فقد رُبط أيضاً بتطورات الأيام الماضية؛ حيث قررت الشرطة الإسرائيلية استدعاء رئيس "الشاباك" السابق نداف أرغمان بشبهة "تهديد وابتزاز نتنياهو" الذي كان قد توّجه، يوم الجمعة الماضي، بشكوى ضدّه لدى الشرطة. وخلفية الشكوى تعود لتهديد أرغمان، خلال مقابلة له مع القناة 12 الإسرائيلية يوم الخميس الماضي، قال فيها إنه إذا أدرك أن نتنياهو يتصرّف خلافاً للقانون، "فسيكشف معلومات لم يكشف عنها حتى الآن"، من خلال جلسات شارك فيها نتنياهو.
وبعد مقابلة أرغمان، قال نتنياهو، الخميس الماضي، إنه يتعرّض لما وصفه بـ"حملة شاملة من الابتزاز والتهديد من قِبل رئيسَي الشاباك الحالي والسابق، بار وأرغمان". وبعد ذلك، سارع "الشاباك" إلى الردّ مؤكداً أن ذلك بمثابة "اتهام خطير ضد رئيس مؤسسة رسميّة". ووصف نتنياهو ما حصل بأنه "تجاوز لخطّ أحمر خطير آخر للديمقراطية الإسرائيلية"، مضيفاً أنه "لم يحدث قطّ في تاريخ إسرائيل، وفي تاريخ الديمقراطيات، أن يُنفذ رئيس سابق لمنظمة سرية (الشاباك) تهديدات ابتزازية بالبث المباشر ضد رئيس حكومة أثناء تولّيه مهام منصبه".
واعتبر نتنياهو أن مقابلة أرغمان هي "جريمة تُضاف إلى حملة كاملة من الابتزاز والتهديد، من خلال اللقاءات الإعلامية في الأيام الأخيرة، التي أجراها رئيس جهاز الشاباك الحالي رونين بار". ورأى رئيس الحكومة الإسرائيلية أنّ "الهدف الوحيد هو محاولة منعي من اتخاذ القرارات اللازمة، لإعادة بناء جهاز الشاباك، بعد فشله المدمِّر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)"، مضيفاً: "ليكن واضحاً؛ التهديدات الإجراميّة على غرار المافيا لن تردعني".
وفي الشكوى التي قدّمها للشرطة يوم الجمعة، ذكر نتنياهو أن أرغمان "اختار تهديد وابتزاز رئيس حكومة خلال ولايته بالتهديدات، وباستخدام أساليب وأشكال شائعة في عالم المنظمات الإجرامية، كما لو كان رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي عضواً في المافيا. وقد تجاوز بذلك كل الحدود".
اعتراف بالفشل وانتقاد للمستوى السياسي
وسبق هذه التطورات أصدار الشاباك، مطلع الشهر الجاري، تحقيقه الداخلي بشأن الإخفاقات التي أفضت إلى هجوم "طوفان الأقصى"، وفيه أقرّ الجهاز بأنه "لم يقدم تحذيراً دقيقاً بشأن نطاق الهجوم، رغم توفر إشارات تحذيرية مسبقة". وألقى "الشاباك" باللوم جزئياً على الجيش الإسرائيلي، وربط الأمر بضعف التنسيق الاستخباري بين الجهازين، وهو ما قاد عملياً إلى عدم اتخاذ خطوات استباقية للحؤول دون وقوع الهجوم. ووجه التحقيق انتقادات للمستوى السياسي، خصوصاً لانتهاج الأخير "سياسة الاحتواء"، بما في ذلك السماح بتدفق "الأموال القطرية" إلى غزة، التي "أسهمت في تعاظم قوّة حماس عسكرياً"، على حد زعم نتائج التحقيق. ونفت دولة قطر الاتهامات الإسرائيلية بأن تكون مساعداتها الإنسانية المرسلة إلى قطاع غزة قد ذهبت إلى حركة حماس، قائلة إن هذه المزاعم "كاذبة تماماً، وهي دليل على أن المتهِمين عازمون على إطالة أمد الحرب". وقال مكتب الإعلام الدولي، في بيان صحافي، إن "هذه الاتهامات مثال آخر على الانحراف المدفوع بالمصلحة الذاتية والحفاظ على الذات في السياسة الإسرائيلية".
